عن قصة لكاتب فرنسي وبإدارة مخرج دنماركي وطاقم تمثيل أغلبه بريطاني وإنتاج ألماني عرض في ربيع هذا العام الفيلم الناطق بالإنجليزية "قطار الليل إلى لشبونة".
يصعب تصنيف الفيلم ما بين أفلام الإثارة أو "الأكشن" أو الرومانسية أو حتى السياسة والفلسفة، إذ يجمع الفيلم بين كل هذه الخيوط بدرجة لا يطغى فيها خط على الآخر.
عن رواية باسكال مرسييه التي تحمل الاسم نفسه، يقدم المخرج بيل أوغست مجموعة من الممثلين في أدوار كأنها "فصلت" لهم من شدة إتقان الممثلين لأدوارهم ومهنية المخرج الذي يدير أبطالا من ثقافات مختلفة وإن كانت كلها أوروبية.
الممثل البريطاني المخضرم غير الشهير "هوليووديا" جيريمي إيرنز يؤدي الدور الرئيسي في الفيلم ـ كما هو في الرواية ـ لمدرس تاريخ لغات سويسري ـ ريموند غريغوريوس ـ يلتقي صدفة فتاة برتغالية تحاول الانتحار من على جسر قرب مدرسته، فينقذها وتختفي تاركة كتابا غريبا يلفت انتباهه ويشكل كل قصة الفيلم.
أغلب التصوير الخارجي في البرتغال، وبعضه في سويسرا وهناك تصوير في ألمانيا بالطبع (بلد الانتاج).
الكتاب لطبيب برتغالي متوفى شارك في المقاومة ضد ديكتاتورية حكم سالازار، لكن أفكاره أثارت اهتمام المدرس السويسري، فترك مدرسته وسافر إلى لشبونة للبحث عن المؤلف وحكايته.
في الفيلم ثلاثة أطباء، الطبيب أمادو دا برادو (يؤدي دوره الممثل البريطاني جاك هستون) بطل الحكاية وابن قاض رفيع المستوى في برتغال سالازار، ورفيقه في الدراسة والنضال جورج، غريمه في حب بطلة الحكاية والمقاومة ستيفانيا (تلعب دورها الممثلة الفرنسية ميلاني لوران) وهو طبيب صيدلي.
والطبيبة الثالثة هي طبيبة العيون ماريانا (تؤدي دورها الممثلة الألمانية مارتينا غيديك) التي تعالج المدرس في لشبونة، وعمها المسن هو الضلع الرابع في خلية المقاومة مع أمادو وجورج وستيفانيا.
أمادون الطبيب الذي أراد ان يكون كاتبا ولم تجعله مهنة الطب مقاوما شرسا مثل رفيقه جورج يتمرد على أرستقراطية أبيه وإن تعلق بأخته (التي جمعت مذكراته بعد وفاته ونشرتها في الكتاب محور القصة) وتحبه ستيفانيا فتفرق بينه وبين رفيق عمره ... ويموت بسبب حالة صحية يعاني منها تؤدي إلى انفجار شريان في مخه.
تبقى كلماته بالنسبة للمدرس السويسري أكثر من أي شئ آخر، ويبقى نبل ممارسته للطب لدى أخته التي لا تعتبره متوفيا، ويبقى إخلاصه للصداقة وللمقاومة عند رفيقه جورج ويبقى حبه الطاغي لدى ستيفانيا.
عقدة الفيلم الفلسفية حين ينقذ الطبيب (المقاوم سرا) رئيس البوليس السري مينديز بعدما هاجمه متظاهرون وكادوا يفتكون به، فيلومه رفاق المقاومة بعنف ويحاول الدفاع بأنه طبيب مهمته "ألا يتألم الناس" وليس قتلهم.
حفيدة منديز ـ الذي عرف باسم "جزار لشبونة" ـ هي التي اكتشفت الكتاب في برن بسويسرا وكادت تنتحر لينقذها الأستاذ غريغريوس ويبدأ رحلة الفيلم بحثا في السياسة والحب والفلسفة.
تصوير يبدو تقليديا، لكن بروعة ممتعة، تضفي عليه طبيعة مواقع البرتغال التي اختيرت للتصوير حالة تمزج بين الماضي والحاضر من خلال الحارات والبيوت والبحر والمناطق المفتوحة.
رغم السياسة والفلسفة وقلة "الأكشن" إلا أن الفيلم لا يصيبك بالملل، وتكتشف فيه أشياء إنسانية بسيطة وفي غاية العمق في آن.