في كثير من الأحيان تندلع اشتباكات بين المنطقتين المتجاورتين في مدينة طرابلس اللبنانية، غير أنه لا أحد يعرف من يبدأ شرارتها. فالصراع بين المنطقتين له جذور تعود إلى 3 عقود مضت، وتحديداً إلى العام 1986، عندما وقعت مجزرة باب التبانة بأيدي القوات السورية التي ذهب ضحيتها مئات من أبناء الحي.
كانت بداية العودة للاشتباكات بين الجانبين بعد الانسحاب السوري من لبنان عام 2005، منهياً بذلك عقوداً من الوجود والهيمنة على لبنان.
في السابع من مايو 2008، اندلعت الاشتباكات بين جبل محسن وباب التبانة، وذلك مع تزايد التوتر السني الشيعي في بيروت، وتحديداً بعد أن قام مسلحون ومناصرون لحزب الله وحركة أمل باجتياح الأحياء السنية في العاصمة بيروت، والمؤيدة لزعيم تيار المستقبل سعدالدين الحريري.
الجبل والباب
منذ ذلك التاريخ، أخذت الاشتباكات تتجدد بين الحين والآخر بين جبل محسن وباب التبانة، وهما من بين أكثر المناطق فقراً في لبنان، رغم أن طرابلس هي المدينة الثانية في لبنان من حيث عدد السكان بعد العاصمة بيروت.
جبل محسن بلدة صغيرة وفقيرة تشرف على باب التبانة، ويقطنها نحو ثمانين ألف نسمة غالبيتهم من أبناء الطائفة العلوية، غير أنه يضم كذلك عشرات العائلات السنية.
ومع التوسع العمراني والامتداد السكاني، أصبح الجبل جزءاً من مدينة طرابلس، في الطرف الشرقي من المدينة، وأصبحت عماراته تطل مباشرة على وسط المدينة.
أما باب التبانة، الذي يقع في الطرف الشمالي لمدينة طرابلس، فهو أيضاً بلدة فقيرة جداً ذات أحياء متداخلة ومتشابهة، وتحاكي المخيمات الفلسطينية. وتقدر مصادر عدد سكانها بنحو ستين ألف نسمة، وهو حي تقطنه أغلبية سنية، لكنه يضم أيضاً عشرات العائلات التي تنتمي إلى الطائفة العلوية.
وحالياً، ومع التداخل بين المنطقتين جراء الامتداد السكاني، لم يعد يفصل بين الجبل والباب إلا شارع سوريا، الذي أصبح يشكل "خط تماس" بين الجانبين.
وتتضح آثار الاشتباكات بين المنطقتين على المباني الواقعة على جانبي شارع سوريا، الممتد بطول 3 كيلومترات، حيث تحمل المباني هناك آثار الرصاص والقنابل والشظايا، في مؤشرعلى الصراع.
جذور الصراع
يعيد بعض المتابعين أصل الصراع بين المنطقتين إلى ثمانينات القرن العشرين، وتحديداً إلى بدايات ذلك العقد، عندما اندلع صراع بين المسلحين الفلسطينيين والقوات السورية.
خلال الصراع الفلسطيني السوري، وقف أبناء جبل محسن مع النظام السوري ورئيسه الراحل حافظ الأسد، وهو من أتباع الطائفة العلوية؛ أما أهالي باب التبانة فانحازوا إلى جهة جانب الفلسطينيين.
وخلال ذلك الصراع، دعم كل طرف الجانب الذي يؤيده بالأسلحة، فاندلعت اشتباكات متقطعة بين الجانبين بين عامي 1980 و1986.
ولم ينته الصراع بين الجانبين إلا بمجزرة ارتكبتها القوات السورية في باب التبانة وراح ضحيتها المئات، قدرهم البعض بأكثر من 700 قتيل معظمهم من الذكور الذين تزيد أعمارهم على 17 عاماً.
ويتهم البعض من أهالي باب التبانة "مسلحون من جبل محسن" بارتكاب المجزرة "تحت غطاء سوري"، وهو الأمر الذي مازال ماثلاً في أذهان أهل الباب.
ورغم انتهاء الحرب الأهلية اللبنانية، إلا أن "الحرب" بين جبل محسن وباب التبانة لم تنته، إذ ما تزال آثارها ومشاهدها حاضرة بقوة، كالمتاريس والدشم والسواتر الترابية.
وزادت الانتفاضة السورية ضد حكم الرئيس بشار الأسد، التي بدأت قبل 17 شهراً، من حدة التوترات الطائفية بين السنة والعلويين في طرابلس.
يشار إلى أن 15 شخصاً قتلوا في أسوأ الاشتباكات بين الجانبين في أوائل يونيو الماضي.