يجلس ابو يوسف على هضبة مطلة على قرية الزهراء الشيعية، بحسرة يروي كيف كان يتجول وابناه في المنطقة. اليوم وكأنه يعد ما تبقى له من أيام على أرضه.
"كنت أداعب أبنائي واستمتع بجمال الأرض السورية من هده التلة، اليوم باتت قرية الزهراء معقلا للجيش وعدوا يتربص بنا من كل جانب، إنهم يجمعون الكيماوي من أجل إلقائه علينا".
والكيماوي هو بيت القصيد، فمنذ أسبوع لم تكف مروحيات تابعة للجيش السوري عن الطيران على علو منخفض فوق مدينة الزهراء ونبل الشيعيتين، مصادرنا من الجيش الحر ومن السكان ومن المقاتلين على الجبهات تؤكد أن المروحيات ترمي بصناديق سوداء على المدينتين فجرا بغطاء من الطيران الحربي.
السكان يؤكدون أن الأمر يتعلق بأقنعة ضد الغازات السامة، ما يعني إعدادا لضربة وشيكة بالكيماوي على حلب.
أبو يوسف من سكان مدينة عندان، هده المدينة التي تعتبر من كبريات المدن في محافظة حلب عاشت أولى شرارات الحرب، فالتمرد جاء من هنا، وأول القتلى سقط في حلب.
حتى الآن لا يزال الموضوع طي الكتمان، تحاول المعارضة المسلحة من الجيش الحر وفصيل من الأكراد وعناصر من فصيل الدولة الإسلامية وغيرها تجهيز أنفسهم لمعركة الكيماوي في حلب، حيث تم توزيع قناعات واقية من الغازات السامة على جميع المقاتلين في الميدان، لكن تبقى كمية الأقنعة المتوفرة غير كافية بالنظر إلى عدد المقاتلين وهول الحدث.
من جهة أخرى يحاول الجيش الحر التكتم على الخبر، حيث طلب منا التريث في نشره لما قد يحدثه من رعب وخوف لدى الساكنة، لكن دون أن يخفي محاولاته توعية السكان من خلال الصلوات وخطبة الجمعة أن كل الجيش قد يلجأ الى استعمال الكيماوي لإخضاع السكان أو القضاء عليهم نهائيا.
مشاف منهكة.. وتحذيرات من كارثة إنسانية
جولة صغيرة داخل مشافي مدينة حلب الشهباء كناية عن صمودها ورباطة جأش سكانها.
غالبية المستوصفات المعدودة على أصابع اليد، تعرضت للقصف والتدمير، والمتبقي منها بعضه يحتله الجيش السوري مثل المشفى اليوناني الخاص بالأورام والمشفى الكندي، والبعض الآخر يقاوم الحاجة وضغط المصابين.
ويحاول أطباء حلب توقع الأسوأ، فمواد الأنتروبين المقاومة لمفعول مادة السارين التي يقولون إن النظام يقصف بها، لا تتوفر إلا بكمية تكفي لأقل من 30 مصابا، فيما المصابون الآخرون الدين حتما سيقدرون بالآلاف سيجدون الموت أمامهم من دون منازع.
الدكتور حازم واحد من الأطباء الشباب في حلب، يشتغل مند سنوات مسؤولا عن قسم الكيماوي في إحدى المشافي المعروفة، يقول إن "الوقت لا ينتظر. فحلب قاب قوسين أو أدنى من كارثة".
"إذا قدر الله وضربت حلب بالكيماوي فلن يكون بوسعنا إلا التفرج على المصابين، لدينا مواد قليلة فقط قد تساعد على تخفيف معاناة المصابين، إما كارثة من نوع ما وقع في الغوطة فمستحيل أن تصمد حلب وستكون مقبرة جماعية، لهدا نحتاج إلى الدعم الدولي والعربي".
تركنا حازم، لقد كان مستعجلا فهو مسافر في اتجاه تركيا من أجل استجداء المساعدة.
وقام حازم رفقة عدد من الأطباء بإجراء تدريب لممرضين ومهنيي صحة من أجل المساعدة، الموضوع معقد، فلا التجهيزات كافية ولا الإطار الطبي كاف أيضا، لقد قتل كثير من الأطباء والممرضين في عمليات قصف استهدفت المشافي في المدينة.
شوارع "غاضبة"
في كل مرة يشتد فيها القصف والاشتباك يتحرك الشارع السوري، حلب لم تهدأ شوارعها مند مدة، لقد انتفضوا هده المرة لأن الجيش الحكومي اقترف "مجزرة في الغوطة" وحلب على قائمة الانتظار.
بالآلاف خرج المتظاهرون، يرفعون شعارت السخط والتنديد بالمواقف الدولية التي يقولون إنها خدلت الشعب السوري وفشلت في حل الأزمة السورية.
أم محمد، مقاتلة سبق لها الاشتغال إلى جانب فصيل تابع للجيش الحر، تشارك في المظاهرة بملابسها الحربية والبندقية لا تفارق يديها.
"نحن هنا لتذكير العالم أننا لازلنا أحياء وصامدين على المقاومة، النظام أفلس ودليل دلك استعماله للكيماوي ضددنا، لن نستسلم حتى يسقط النظام".
شوارع المدينة لا تعرف غير الإضرابات المتتالية، صارت شبه فارغة من سكانها ومرتاديها، كثير من السكان هاجروا إلى تركيا، وقلة آثروا البقاء.
علي، شاب هاجر أهله وبقي هو صامدا رفقة عدد من الناشطين، يقول إنه لن يترك سوريا "إلا على النعش"، يعمل إلى جانب فصيل تابع لأحرار الشام، سبق له دخول السجن وشارك في عدد من المعارك، منها معارك سجن حلب المركزي الدي لا يزال الجيش الحر يحاصره.
أحياء حلب.. جبهات موحدة ضد النظام
في كثير من الأحياء يتم تشكيل لجان تعمل إلى جانب الجيش الحر في الإبلاغ عن مختلف الأحداث أو الاشكالات الأمنية، أو التحركات المشبهة لمن يوصفون بالشبيحة.
وفي حي الشيخ مقصود ينضوي عدد كبير من الشباب تحت لواء تابع لقيادة مشتركة بين الجيش الحر والأكراد. حي الشيخ مقصود من الأحياء النادرة التي تظهر التلاحم بين الأكراد والجيش الحر، حيث يقاتل الكل عدوا واحدا.
رفيق قائد ميداني، يقاتل مند سنة ونصف ولا يعتبر نفسه إلا مقاتلا من أجل وحدة سوريا.
"أنا هنا والأكراد معي والجيش الحر من أجل قتال النظام، لا نريد دولة منفصلة، نريد أن يعيش الشعب بكرامة".
في كثير من الأحيان وفي عدد من المحافظات دارت معارك بين الجيش الحر والأكراد، هؤلاء يطالبون بدولة مستقلة عن سوريا، والجيش الحر يرفض تقسيم البلاد.
وعلى أطراف المدينة جبهات متعددة وحرب دائرة ورصاص لا يتوقف، لكن المدينة برمتها تحاول بما لديها العودة إلى الحياة.