اتسمت العلاقات السورية التركية بالتوتر منذ سنوات ما قبل استقلال سوريا عام 1945، حتى نهايات القرن الماضي، رغم أن لتركيا أطول حدود مشتركة مع سوريا، إضافة إلى الروابط التاريخية والاجتماعية والاقتصادية.
وحكم "ثالوث" المشكلات العلاقة بين أنقرة ودمشق، المتمثل في لواء الاسكندرون والمياه والأكراد، قبل أن تبدأ بالتحسن مع بدايات القرن الحالي.
لواء الاسكندرون
يعود تاريخ التوتر في العلاقات بين البلدين إلى الفترة التي ضمت فيها تركيا إقليم هاتاي، المعروف لدى سوريا باسم لواء الاسكندرون عام 1939.
ففي ذلك العام أعلن الإقليم استقلاله عن الانتداب الفرنسي لسوريا، ثم أعلن انضمامه إلى تركيا، غير أن سوريا رفضت الاعتراف بذلك، وظلت تعتبر الإقليم جزءاً من أراضيها.
مشروع مياه الأناضول
إلى جانب لواء الاسكندرون، كانت مشكلة المياه جزءاً أساسياً في العلاقات المتوترة بين أنقرة ودمشق، إذ إن تركيا هي الدولة المنبع لنهري دجلة والفرات اللذين يمران عبر الأراضي السورية والعراقية.
خلال عقود، استمرت تركيا في إقامة السدود على النهرين، غير أن مشروع الأناضول الجنوبي الشرقي المتمثل بإقامة سد ضخم على الفرات شكل ذروة مشكلة المياه بين البلدين الجارين.
المشكلة الكردية
في وقت من الأوقات، شكل الدعم السوري لحزب العمال الكردستاني أحد أبرز نقاط التوتر بين سوريا وتركيا، إذ إن الأخيرة تعتبره منظمة إرهابية.
وظل التوتر طاغياً على العلاقة بين الجانبين حتى أكتوبر من عام 1998، عندما طردت سوريا زعيم حزب العمال الكردستاني، عبدالله أوجلان، من أراضيها، إثر تهديدات تركيا بالتدخل العسكري في سوريا.
التحول في العلاقات
بعد حل المشكلة بطرد أوجلان من سوريا إلى كينيا، ما سهل على تركيا القبض عليه إثر عملية تركية كينية مشتركة، أخذت العلاقات التركية السورية، وتحديداً منذ فبراير 1999، منحى إيجابياً تصاعدياً، توج بإلغاء سمة الزيارة بين البلدين وتوقيع اتفاقيات تعاون وتجارة حرة بينهما.
وفي يونيو 2000، زار الرئيس التركي السابق أحمد نجدت سيزار دمشق للمشاركة في تشييع جنازة الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد.
ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى السلطة عام 2002 جاءت التحولات الأبرز في العلاقات التركية السورية، وتوجت في يناير من عام 2004 بقيام الرئيس السوري بشار الأسد بأول زيارة رسمية إلى تركيا.
في ذلك العام، تم التوقيع على اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين، وهي الاتفاقية التي شرع بتطبيقها عام 2007، وفي ذلك السياق جاء اتفاق فتح الحدود بين البلدين من دون سمة دخول، تبعه لاحقاً الإعلان عن إنشاء مجلس التعاون الاستراتيجي بينهما.
في العام 2007، قام الرئيس السوري بزيارة أخرى لأنقرة، وتبعها بزيارة أخرى في سبتمبر عام 2009، بينما قام الرئيس التركي عبدالله غل بزيارة دمشق في العام نفسه.
في العام 2008، بدأت تركيا، التي كانت تربطها علاقات قوية مع كل من إسرائيل وسوريا، بدور وساطة بين دمشق وتل أبيب للتوصل إلى حل سلمي بينهما، ولكن هذه الوساطة توقفت إثر تدهور العلاقات بين أنقرة وتل أبيب على خلفية الهجوم الإسرائيلي على قطاع غزة نهاية العام 2008، ثم على قافلة الحرية عام 2010.
كان العام 2009 أحد أبرز المحطات في تاريخ العلاقات "الإيجابية" بين أنقرة ودمشق، ففيه تم إنشاء "مجلس التعاون الاستراتيجي"، وفي العام نفسه أجرت الدولتان مناورات عسكرية مشتركة "غير مسبوقة" اعتبرت مؤشراً على التطور المضطرد في العلاقات والتعاون بينهما.
وظلت العلاقات بين الجانبين تتطور إيجابياً إلى أن بدأت الانتفاضة في سوريا في مارس 2011، حين فر نحو 3 آلاف سوري عبر الحدود التركية هرباً من العنف الذي قوبلت به الانتفاضة.
وفي يونيو من العام نفسه وصف أردوغان في تصريح لوكالة أنباء الأناضول السلطات السوري بأنها تتعامل بـ"وحشية" مع المواطنين السوريين، وطالب دمشق بعدم القيام بمجزرة حماة ثانية.
وفي وقت لاحق أعلن أرودغان ووزير خارجيته، أحمد داود أوغلو، تعليق العلاقات والاتفاقيات الموقعة بين الجانبين.
وفي أبريل 2012، استدعت أنقرة الملحق العسكري السوري لديها بعد أن أطلقت القوات السورية النار على سوريين داخل الأراضي التركية، ما أدى إلى مقتل شخصين.
في 22 يونيو، أسقطت سوريا طائرة عسكرية تركية بالقرب من الحدود المشتركة بين البلدين، وزعمت دمشق أن الطائرة انتهكت الأجواء السورية، غير أن القادة الأتراك لم يؤكدوا الأمر.
وفي كلمته في السادس والعشرين من يونيو، أعلن رئيس الوزراء التركي أن سوريا أسقطت الطائرة التركية، التي لم تكن تحمل أسلحة، دون تحذير وبشكل عدواني، مضيفاً أن بلاده تحتفظ بحق الرد على الواقعة.