أدى قرار المحكمة الدستورية العليا في مصر الذي أجاز تصويت أفراد الجيش والشرطة في الانتخابات، إلى جدل سياسي واسع. فبينما استقبل الإسلاميون القرار بمزيج من الرفض والريبة، رأت المعارضة إن القرار يتوافق مع مبدأ المواطنة، أما المؤسسة العسكرية فرفعت لافتة "لا تعليق".
ورفضت المحكمة الدستورية العليا (أعلى هيئة قضائية في البلاد) قانون الانتخابات الذي تقدم به مجلس الشورى الذي يهيمن عليه الإسلاميون، بسبب عوار في بعض مواده ومنها منع الجيش والشرطة من التصويت في الانتخابات.
وأكدت المحكمة أنه طبقا للدستور الجديد، فإنه "لا يجوز حرمان أي مواطن من ممارسة حقه الدستوري في الانتخاب متى توافرت فيه شروطه، "ومن ثم يكون حرمان ضباط وأفراد القوات المسلحة وهيئة الشرطة من مباشرة حقوقهم السياسية طوال مدة خدمتهم بسبب أدائهم هذه الوظائف، رغم أهليتهم لمباشرتها ينطوي على انتقاص من السيادة الشعبية وإهدار لمبدأ المواطنة".
وقرارات المحكمة الدستورية ملزمة وواجبة النفاذ ولا يجوز الطعن عليها.
ورفضت المؤسسة العسكرية التعليق على القرار. وقال مسؤول عسكري لسكاي نيوز عربية إن "الجيش ليس لديه تعليق على هذا الأمر".
ورغم ذلك، قال مساعد وزير الدفاع للشؤون القانونية اللواء ممدوح شاهين في تصريحات لصحف محلية إن وزارة الدفاع تنتظر حيثيات قرار المحكمة الدستورية بشأن مشاركة ضباط وجنود الجيش في التصويت.
وفي عام 1976، ألغى الرئيس الأسبق محمد أنور السادات قانونا يتيح مشاركة العسكريين في التصويت وضع عام 1956.
الإسلاميون يرفضون
وأثار قرار المحكمة الدستورية رفضا وتشككا من جانب حزب الحرية والعدالة الإسلامي، الذراع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين.
وقال المستشار الإعلامي للحزب مراد على إن قرار المحكمة الدستورية بأحقية العسكريين في التصويت بالانتخابات "يثير علامات استفهام كثيرة.. كأن هناك من يصر على جر الجيش والشرطة للصراع السياسي"، حسبما كتب على صفحة الحزب الرسمية على موقع تويتر.
من جهته طالب حزب الوسط الإسلامي المتحالف مع الإخوان، في بيان، المحكمة الدستورية بالعدول عن قرارها، قائلا إن "المحكمة الدستورية بقرارها المذكور وقعت في خطأ عظيم، لم يقتصر على مخالفة الدستور فحسب، بل امتد ليعبث بصلب بناء المجتمع والدولة".
وفي اتصال هاتفي مع "سكاي نيوز عربية"، قال رئيس حزب النور يونس مخيون إن الحزب مازال يدرس القرار من الناحية القانونية لكنه اعتبر أن قرار المحكمة يمثل "إشكالية باعتبار أن الجيش نظامي ويتبع الصرامة في الأوامر، وهو ما يثير مخاوف من توجيه أفراده للتصويت لطرف معين"، على حد قوله.
المعارضة: حق المواطنة
لكن الإشكالية التي يراها الإسلاميون، لا تراها المعارضة المدنية التي اعتبرت القرار متوافقا مع مبدأ المواطنة.
وقال المتحدث باسم جبهة الإنقاذ المعارضة التي تضم أحزابا ليبرالية، حسين عبد الغني لـ"سكاي نيوز عربية"، إنه "إذا كان الذي تقصده المحكمة بأن تصويت الجيش والشرطة هو حق من حقوق المواطنة بدون تدخل في إرادتهم أو في العمل السياسي، إذا.. لا مشكلة".
وطالب عبد الغني بعدم الخلط بين " ممارسة حقوق المواطنة وبين بقاء الجيش هيئة مستقلة ليست طرفا في اللعبة السياسية"، في إشارة إلى عدم تعارض ممارسة حق التصويت مع كون الجيش حياديا.
وقال إنه "لا توجد قاعدة سياسية موحدة في العالم تقول بعدم تصويت الجيش في الانتخابات، فهناك بلدان يصوت فيها الجيش بالانتخابات وبلدان أخرى لا".
ورأى أن القاعدة هي "هل يصوتون بحرية أم لا".
ورأى المتحدث باسم "الإنقاذ" إن الجدل الدائر حول قرار الدستورية يؤكد أن الدستور الجديد الذي وضعه الإسلاميون "فاشل بامتياز.. فمن الطبيعي أن ينشأ خلاف كبير كل فترة لأن الدستور فشل في مهمته الرئيسية بأن يحدد قواعد اللعبة السياسية بين الأطراف المختلفة".
حدود التأثير
من جانب آخر، دعا الخبير السياسي ونقيب الصحفيين ضياء رشوان في حديث لـ"سكاي نيوز عربية" القوى السياسية إلى التفكير في "طرق تطبيق قرار المحكمة بما لا يخالف وضع القوات المسلحة كقوة محايدة"، مشيرا إلى ان الأمر "دستوري وليس سياسيا".
لكن رشوان توقع إذا شارك أفراد الجيش والشرطة في التصويت أن "يكون لدينا نحو مليون صوت إضافي سيكون لهم تأثيرهم القوي على نتائج الانتخابات".
ولا يمكن بحسب رشوان "الحكم على اتجاه التصويت داخل الجيش أو الشرطة"، لكنه قال إن طبيعة المرشح المنافس للإخوان سيكون لها تأثير، على حد قوله.
ومن جانب آخر، لا يحبذ الخبير الاستراتيجي والعسكري اللواء سامح سيف اليزل تصويت أفراد الجيش في الانتخابات. قائلا في مقابلة مع سكاي نيوز عربية "إن طبيعة عمل المؤسسة العسكرية "تحتم وجود انضباط متكامل داخل وحدات الجيش وهو ما يهدد بشق الصف داخل هذه المؤسسة".
وتوقع اليزل أن يؤدي قرار المحكمة الدستورية "الواجب النفاذ" إلى تأجيل الانتخابات البرلمانية، وهو ما يطيل من اضطلاع مجلس الشورى بالتشريع كصلاحية استثنائية في غياب البرلمان.
وتسيطر الأحزاب الإسلامية على مجلس الشورى عبر أعضاء منتخبين وآخرين معينين من قبل رئيس الجمهورية محمد مرسي القادم من صفوف جماعة الإخوان المسلمين.