منذ الأشهر الأولى لاندلاع الحرب في السودان في أبريل 2023، سعت إيران من خلال تعزيز وجودها في السودان إلى تحقيق مكاسب جيوسياسية تعيد تشكيل ميزان القوة في البحر الأحمر وتمنحها منفذا نحو العمق الأفريقي. أما بالنسبة للسلطة القائمة في بورتسودان، فالعلاقة المثيرة للجدل مع طهران ليست خيارا استراتيجيا بقدر ما هي مسار اضطراري فرضته ظروف الحرب.
وبين الطموح الإيراني وحاجة السلطة القائمة في بورتسودان للدعم، يبرز سؤال محوري: هل تتحول العلاقة إلى عامل يعمق الصراع داخل السودان ويمنح طهران مساحة نفوذ إضافية في المنطقة؟
أعادت الحرب الحالية تشكيل المشهد الجيوسياسي في البحر الأحمر، وأطلقت مخاوف واسعة بعد استئناف العلاقات بين السودان وإيران بعد أشهر قليلة من اندلاع القتال، خصوصا في ظل حاجة طهران إلى تموضع على البحر الأحمر بعد تراجع نفوذها في بعض مناطق الشرق الأوسط. ويشكل امتداد الساحل السوداني على أكثر من 700 كيلومتر عاملا استراتيجياً مهما في هذا السياق.
ويوم الأحد الماضي، وصل وفد من هيئة الموانئ البحرية الإيرانية إلى بورتسودان، للوقوف على إمكانات الميناء والمواصفات الفنية الخاصة باستقبال السفن، بحسب ما نقلته وسائل إعلام محلية عن وزارة البنية التحتية السودانية.
وينظر مراقبون إلى عودة النشاط الإيراني في السودان كمفتاح رئيسي لطهران لإعادة تموضعها الإقليمي.
وتستحضر هذه التطورات هواجس مرتبطة بسياقات سابقة، إذ كانت العلاقة بين البلدين في مراحل معينة عاملا أثار مخاوف دولية بشأن نشاطات غير مشروعة، وهو ما أدى حينها إلى إدراج السودان ضمن قائمة الدول الراعية للإرهاب.
ويرى خبراء أن ما تريده إيران من السودان لا يقتصر على الصفقات العسكرية، بل يشمل تموضعا استراتيجيا في منطقة ذات أهمية بالغة، خصوصا مع تزايد الحديث عن دور مجموعات مرتبطة بطهران في تهريب أسلحة عبر البحر الأحمر. وبرزت إشارات إلى ذلك خلال زيارة وزير الخارجية السوداني إلى طهران في فبراير 2024، حيث أشار موقع "دبلوماسي إيراني" إلى تطلع طهران للاستفادة من بعض الموارد السودانية وتعزيز حضورها في البحر الأحمر.
تهديد أمن البحر الأحمر
يمنح الوجود الإيراني في السودان قدرة أكبر لطهران على التأثير في أمن الملاحة ودعم بعض القوى الإقليمية المتحالفة معها، وفق الوزير الأسبق مهدي الخليفة.
ويقول الخليفة في حديث لموقع سكاي نيوز عربية إن أي وجود مؤثر لإيران على الساحل السوداني يشكل مصدر قلق لدول المنطقة والتجارة العالمية، نظرا لحساسية هذا الممر البحري الحيوي.
وتثير أي مؤشرات على تعاون عسكري واسع بين السودان وإيران حساسية لدى المجتمع الدولي، خصوصا الولايات المتحدة وإسرائيل، وسط مخاوف من استخدام هذا الوجود في أنشطة ذات تأثير إقليمي واسع.
دور قديم متجدد
بعد قطيعة امتدت لثماني سنوات، عادت العلاقات بين السودان وإيران إلى الواجهة في ظل الحرب، وسط حديث متزايد عن صفقات أسلحة وطائرات مسيرة ودعم لوجستي.
ويقول مهدي الخليفة إن الجيش السوداني وجد في إيران المورد المتاح في ظل ظروف العزلة التي يعيشها. ويشير إلى أن العلاقة القديمة بين البلدين تعود إلى التسعينيات، حين كانت الخرطوم جزءاً من محور يسعى لتمكين نفوذ إيران في المنطقة.
ويحذر الخليفة من أن أي تحالف عسكري عميق مع طهران قد يزيد من عزلة السودان، نظرا للعقوبات المفروضة على طهران وما قد ينجم عن ذلك من ضغوط غربية على الخرطوم.
السلاح مقابل النفوذ
تشير تقارير دولية، من بينها تقرير لوكالة "بلومبيرغ" وأخرى لمؤسسات بحثية، إلى استمرار شحنات الأسلحة الإيرانية للجيش السوداني خلال مراحل الحرب، بما يشمل معدات عسكرية وطائرات مسيرة. كما تحدثت تقارير أخرى عن مواقع يشتبه بأنها تستخدم لتخزين أو تشغيل معدات عسكرية ذات صلة بإيران.
وتشير مصادر مطلعة إلى أن جزءا كبيرا من هذه الأسلحة يقع تحت سيطرة مجموعات ذات توجهات أيديولوجية متشددة، ما يثير قلقا بشأن طبيعة النفوذ العسكري داخل السودان.
ترى تحليلات عدة أن الهشاشة الأمنية والسياسية في السودان توفر بيئة مناسبة لتوسع النفوذ الإيراني، على غرار النموذج اليمني، مستغلة حالة الانقسام وضعف الدولة. ويشير الصحفي محمد المختار إلى تقارير تحدثت عن بناء مواقع عسكرية في مناطق إستراتيجية، إضافة إلى تعاون معلن في مجالات مدنية ذات طابع حساس.
يرى مراقبون أن عودة إيران للسودان تعني إعادة إحياء بعض مسارات الدعم المعروفة منذ التسعينيات، سواء لتمرير السلاح أو لتعزيز وجودها في البحر الأحمر.
ويقول داني سيترونوفيتش، رئيس برنامج إيران والمحور الشيعي في معهد الدراسات الأمنية الإسرائيلي، إن الوجود الإيراني في السودان يمثل بالنسبة لطهران نقطة ارتكاز مهمة لإعادة دعم بعض القوى المرتبطة بها في المنطقة.
ويضف الأكاديمي عبد المنعم همت أن السودان، في ظل هشاشة الدولة واتساع حدودها وموقعها الجغرافي، يمثل منفذا محتملاً لطهران نحو إفريقيا، سواء لدعم جماعات قائمة أو لبناء نفوذ جديد يستفيد من الظروف المحلية.