انفجرت في العام 2023، ثلاثة حروب في قارتي إفريقيا وآسيا، بالسودان وغزة وأذربيجان، بينما يتواصل اشتعال نيران حرب أوكرانيا في أوروبا التي بدأت قبل عامين، ولم ينقشع دخان المدافع إلا في واحدة منها.
ومع اختتام العام بتجدُّد الحديث عن النزاع الحدودي بين فنزويلا وجارتها غويانا في قارة رابعة هي أميركا اللاتينية، خاصة مع وجود دعم بريطاني لغويانا، يوضّح محللان سياسان لموقع "سكاي نيوز عربية" ما وراء سهولة اندلاع هذه الحروب بأنواعها هذا العام.
حروب العام
- حرب غزة، أحدث حلقات سلسلة حروب 2023؛ حيث اندلعت في 7 أكتوبر، وأكثرها تصدّرا للإعلام الدولي الآن، مع حصيلة قتلى تجاوزت 21 ألف فلسطيني، بخلاف 1.5 مليون نازح في غزة، وسط تحذيرات دولية من تفاقم الوضع ووصوله لمجاعة شاملة.
- حرب السودان، اندلعت في 15 إبريل بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع التي كانت تابعة له، ثمّ تحوّلت لحرب أهلية، خلَّفت حتى الآن 12 ألف قتيل، ونزوح 6.6 مليون سوداني بالداخل والخارج، بخلاف تفشّي جرائم الاغتصاب والنهب، مع تعثّر خدمات الحياة اليومية؛ مثل التعليم والصحة، خاصة في العاصمة الخرطوم.
- حرب أوكرانيا، تواصلت هذا الحرب التي بدأت بين كييف وموسكو في فبراير 2022، وأبرز معالمها لهذا العام، سيطرة القوات الروسية على مدينة باخموت بعد أشهر طويلة من المعارك القاسية فيما سُمّي بـ"مفرمة اللحم"، وصدّها الهجوم الأوكراني المضاد الذي لم يحقّق أهدافه، بجانب تراجُع الدعم القادم من الولايات المتحدة وأوروبا إلى كييف؛ نتيجة توجيه جزءٍ منه إلى إسرائيل، أو بسبب الأزمات الاقتصادية.
- معارك ناغورني كراباخ، شهد الجيب الأرميني الواقع داخل حدود أذربيجان معارك في سبتمبر، انتهت إلى استعادة باكو للإقليم الذي كانت تعتبره محتلا من جانب جماعة مسلحة تابعة موالية لأرمينيا، ورحل أكثر من 100 ألف أرميني من الإقليم نحو أرمينيا؛ لتطوى بذلك صفحة نزاع دام أكثر من 4 عقود.
- نزاع إيسيكيبو، يختتم العام بتصعيد قامت به فنزويلا، الخميس، بإعلانها عن "مناورة دفاعية" يشارك فيها نحو 5600 ألف عسكري؛ ردا على إعلان بريطانيا تحويل مسار سفينة "إتش إم إس ترينت" إلى قبالة شواطئ غويانا، التي كانت تحتلها سابقا، لدعمها أمام كراكاس في نزاعهما حول منطقة إيسيكيبو الغنية بالنفط.
سياسة الحلول الخشنة
يصنّف الباحث السياسي في الشؤون والنزاعات الدولية المقيم في لندن، الدكتور محمد صالح الفتيح، الحروب الدائرة في أوكرانيا وغزة والسودان، بأنها رغم تنوّعها بين حروب غير تقليدية، وحروب أهلية، وحروب بالوكالة، فإنها تشترك في طول مدّتها، وبلوغها مستوى كبير من العنف.
ويُرجع الفتيح توالي انفجار هذه الحروب، وطول مدتها، إلى ظروف وحسابات دولية، منها:
- انشغال الدول الكبرى في أزمات تمسّها مباشرة، يجعلها غير منخرطة بالشكل الكافي في أزمات أخرى، أو التدخّل لمنع اندلاعها من الأساس، كما تدخّلت أوروبا لمنع اندلاع حرب طويلة بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم الواقعة في أوكرانيا عام 2014؛ لتتجنّب وقوعها في أزمة نقص الطاقة القادمة من روسيا.
- لكن اختلاف حسابات أوروبا الآن جعلها تدعم أوكرانيا في حربها مع روسيا؛ على أمل استنزاف موسكو، وإجهاض فرصة مد نفوذها.
- هناك دول باتت أكثر حماسا للحلول الخشنة أو التلويح بها، بدلا من اللجوء للاختيارات الدبلوماسية والوساطات، مستغلةً انشغال الدول الكبرى في نزاعات أخرى، كما رأينا حين صعدت أذربيجان لاسترداد إقليم ناغورني كراباخ، مستغلة فرصة انشغال روسيا، حليفة أرمينيا، في حربها مع كييف.
فشل الردع الكافي
أمّا الباحثة الأميركية في العلاقات الدولية، إيرينا تسوكرمان، فتقول: "إن السبب الأكبر والوحيد وراء انتشار الصراعات الكبرى والصغرى يكمن في فشل الردع الكافي".
وتفسّر الباحثة أن ما وصفته بـ"نهج التكيّف" الذي تبعته إدارة الرئيس الأميركي، جو بايدن، مع الأنظمة والحركات "العدوانية" هو بمثابة إشارة للآخرين بأنهم يستطيعون مواصلة الأعمال العدائية مع الإفلات من العقاب.
وترى تسوكرمان أن "الانسحاب الفاشل" من أفغانستان، و"سوء التعامل" مع قضية أوكرانيا، ليسا سوى مثالين أرسلا مثل هذه الإشارات إلى إيران وغيرها.
أما ما يخص فنزويلا، فتقول إن "تقاعُس الولايات المتحدة عن ردع الحروب في أماكن أخرى، وفشلها في وقف الوجود الإيراني وجماعة حزب الله في أميركا اللاتينية، قد أعطياها نفس الإيحاء".