باتت كثيرة، المقاطع التي يبثها الجيش الإسرائيلي لتحرك قواته البرية في قرى وبلدات الجنوب اللبناني، ولم يكد يمر أسبوعان اثنان على الهجوم البري، عند الحدود الممتدة على مسافة تزيد بقليل على 120 كيلومتراً بين لبنان وإسرائيل.
ظهر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي في مقطع من داخل قبو ضخم حفر في أرض ذات طبيعة صخرية، قال دانيال هاغاري إن مقرّ قوة الرضوان في حزب الله، التي تردد كثيرًا أنها القوات الخاصة في المنظمة المناط بها العمليات الاستباقية، وتحديدًا ما يعرف بعملية اقتحام الجليل.
أيًّا يكن، فبات جليًّا أن الجيش الإسرائيلي يقاتل في عمق ليس غائرًا لكنه أيضًا ليس سطحيًا في قرى جنوب لبنان ذي الجغرافيا المتعرجة، بعد أن كانت دعاية حزب الله الحربية على مدى سنوات توحي بأن التوغل الإسرائيلي في الأراضي اللبناني بات من المستحيلات.
فعلام تعتمد استراتيجية القتال الإسرائيلي في الجنوب اللبنانية، أو بطرح أدق، ماذا يريد الإسرائيليون على الجبهة اللبنانية في اليوم التالي؟!
للإجابة على هذا التساؤل يمكن مقاربة ما كشفته وسائل إعلام لبنانية تدور في فلك حزب الله، بأن واشنطن نقلت إلى المسؤولين اللبنانيين أن إسرائيل تريد الدخول إلى لبنان بعمق 3 كيلومترات بأسرع وقت ممكن، وتحويل هذه المساحة بكاملها إلى منطقة خالية، مع الإبقاء على مطلبها السابق بإقامة منطقة عازلة بعمق 10 كيلومترات، على أن تكون المنطقة بين 3 و10 كيلومترات من مسؤولية اليونيفل والجيش اللبناني. بل إن التسريبات قالت أيضًا إنه في حال لم يقُم الطرفان بما يتوجّب عليهما فإنها ستتكفل بالمهمة لاحقاً.
من هذه المعطيات يمكن فهم دافع الإصرار الإسرائيلي على إبعاد قوات اليونيفيل الدولية عن الحدود اللبنانية، ذاك أن تل أبيب لا تريد شيئًا قائمًا شريطها الحدودي مع لبنان في اليوت التالي للحرب.
ما ذُكر تكاد تكون صحيفة يديعوت أحرونوت التي ذكرت أن الجيش الإسرائيلي لا يريد عودة النازحين اللبنانيين إلى القرى الحدودية في أي اتفاق مستقبلي، كما أنه بصدد إطلاق النار على كل من يشتبه في كونه عنصرًا في حزب الله حتى بعد انتهاء الحرب.
أما حزب الله فيقاتل في الميدان بمنطق حرب العصابات: مهاجمة ما يمكن مهاجمته عبر نصب الألغام، والمباغتة من الأنفاق، ولا تمترس في مواقع ثابتة. أما ضرباته التي يأمل أن تكون رادعة، فيوجهها على نحو تصاعدي حين ينفذ ضربات في العمق الإسرائيلي تتسم بالدقة على غرار ضربة بنيامينا التي أودت بحياة 4 جنود إسرائيليين، وأصيب فيها عشرات آخرون من جنود لواء غولاني أثناء تناولهم العشاء في مركز تدريب تابع لهم.
وبعد أن ركزّت إسرائيل مجهودها العسكري على جبهة لبنان منذ منصف سبتمبر الفائت، بات من الواضح أن سقف مطالب حزب الله انخفض إلى حدّ كبير، بعد الضربات القاصمة التي تلقها على مستوى قيادته السياسية والعسكرية، وصار يتحدث نيابة عن معركته هو فقط، لا معركة حماس في جبهة غزة، والمطالب تقتصر على وقف الحرب في جبهة لبنان، فيما يقاتل لصد ما يمكن صدّه من الهجوم البري الإسرائيلي متعدد الجبهات، ليتمكن لاحقًا من فرض معادلة تعيد على أقل تقدير الجنود الإسرائيليين إلى ما وراء الحدود.
وعلى أية حال، وحدها وقائع الميدان ستحدد ملامح اليوم على جبهة لبنان، سواء القضم الإسرائيلي البطيء، أم سياسة الضربات المؤلمة في العمق التي ينفذها حزب الله، رفقة تكتيك الكرّ والفرّ.