فتحت التوصية التي أصدرتها لجنة أممية، الجمعة، بإنشاء "قوة مستقلة ومحايدة" لحماية المدنيين في السودان، الباب واسعا أمام التكهنات بشأن احتمالات التدخل الدولي لوقف الحرب المستمرة في السودان منذ نحو 17 شهرا، فما أسباب التوصية وما هي الانعكاسات المحتملة لها؟
اتفق خبراء على أن التوصية التي أصدرتها لجنة تقصي الحقائق بشأن الأوضاع في السودان في أول تقرير لها منذ إنشائها من قبل هيئة حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة في أكتوبر 2023، تشكل الطريق الوحيد المتاح حاليا لوقف الحرب التي أدت إلى مقتل عشرات الآلاف وتسببت في تدهور كبير في الأوضاع الإنسانية بعد شمولها أكثر من 70 في المئة من مساحة البلاد.
التفات متأخر
يشير وزير الخارجية الأسبق السفير إبراهيم طه أيوب إلى أن إنشاء فريق تقصي الحقائق جاء بعد اشتداد المعارك وارتكاب الأطراف المتحاربة جرائم ضد الإنسانية بما في ذلك "الاغتصاب والعبودية والاضطهاد على أسس عرقية وقبلية وجنسية".
ويضيف أيوب لموقع سكاي نيوز عربية "رغم التأخر، إلا أن القوى الخارجية تنبهت الآن للمعاناة التي تعرضت لها كافة فئات الشعب السوداني وإصرار الجهات المتقاتلة على تجاهل معاناة المدنيين ودعوات القوى الإقليمية والدولية إلى ضرورة ايقاف تلك الحرب المدمرة".
ويصف أيوب قرار لجنة تقصى الحقائق بأنه "الشاهد الأول على خطا رضوخ قيادة القوات المسلحة لعناصر تنظيم الإخوان، ورفضها القبول بالتفاوض في مؤتمر جنيف من أجل إنقاذ المواطنين الذين باتوا على شفا حفرة من المجاعة".
ويرى وزير الخارجية الأسبق أن الخطوة يمكن أن تؤدي لوقف تدفق الأسلحة وحظر الطيران الحربي فى الأجواء السودانية، وبالتالي "نزع السيادة من نظامين لا يملكان أي شرعية بحكم البلاد، أو الادعاء بتمثيل الشعب السوداني".
وتوقع أيوب أن تجد الخطوة قبولا شعبيا، ويوضح "الأوضاع تجاوزت الآن ما كان يشار إليه سابقا بالخطة "ب"، فتدهور الأوضاع الإنسانية سيزيد من حاجة السكان للأمن والغذاء والمأوى".
طبيعة ودواعي التوصية
- أكد تقرير اللجنة الأممية المكونة من ثلاثة أعضاء أن أطراف الحرب ارتكبوا انتهاكات خطيرة للقانون الدولي الإنساني. وأوصت اللجنة بإرسال قوة لحفظ السلام وحماية المدنيين "فوراً".
- دعت اللجنة إلى توسيع حظر الأسلحة المفروض على منطقة دارفور المضطربة منذ العام 2003 ليشمل البلاد بأكملها.
- حملت اللجنة طرفي الحرب مسؤولية جرائم الحرب التي ارتكبت في حق المدنيين بما في ذلك القتل والتشويه والتعذيب. وقال رئيس اللجنة محمد شاندي عثمان "عانى شعب السودان كثيرًا، ويجب أن تتوقف الانتهاكات ضدهم. لا يمكن القيام بذلك دون إنهاء القتال".
وزار خبراء اللجنة خلال الفترة من يناير إلى أغسطس ثلاث دول مجاورة واستمعوا إلى شهادات أكثر من 180 ناجيًا وأقارب وشهودًا على الصراع الذي انتشر الآن إلى 14 ولاية من ولايات السودان الثماني عشرة.
وتزامنت توصيات اللجنة المكلفة من قبل مجلس حقوق الإنسان المكون من 47 دولة مع تدهور مريع في الاوضاع الإنسانية في البلاد، وسط تقارير عن ارتفاع عدد قتلى الحرب من المدنيين إلى أكثر من 100 ألف ودخول أكثر من 25 مليون من سكان البلاد البالغ عددهم 48 مليون نسمة في دائرة الجوع.
ووفقا للخبير الأممي أحمد التجاني سيد أحمد، فإن تقرير لجنة تقصي الحقائق الأممية يشير بوضوح إلى ارتكاب طرفي القتال انتهاكات إنسانية واسعة النطاق.
ويوضح سيد أحمد لموقع سكاي نيوز عربية "كل الانتهاكات التي تكررت بلا انقطاع منذ اندلاع الحرب وحتى الآن تشير إلى ضرورة التدخل الدولي العاجل، الذي بدونه ستشهد البلاد مجاعة طاحنة ومزيدا من التدهور الأمني والإنساني الذي سيؤدي إلى موت الملايين ".
ويرى سيد أحمد أن التطورات التي شهدتها الحرب خلال الفترة الأخيرة والانتهاكات الكبيرة التي ارتكبت فيها لا تدل علي رغبةً طرفي الحرب على إيقاف القتال.
الصيغة المحتملة
في ظل التعقيدات التي يمكن ان تعترض تنفيذ التوصية والتوقعات باحتمال اعتراض دول مثل روسيا والصين، يرى مراقبون أن تكون الصيغة التي وضعها الاتحاد الأفريقي في مايو 2023، هي الأقرب للتنفيذ وتشمل تلك الصيغة:
- إدخال قوات أفريقية مدعومة من الأمم المتحدة لتشرف على وقف دائم لإطلاق النار.
- إخراج قوات طرفي القتال إلى مراكز تجميع تبعد 50 كيلومترا عن المدن.
- نشر قوات أفريقية لحراسة المؤسسات الإستراتيجية.
- معالجة الأزمة الإنسانية.
- البدء في عملية سياسية لتسوية الأزمة بشكل نهائي.
وتنص المادة الرابعة من دستور الاتحاد الأفريقي على حقه في التدخل لمنع التدهور الأمني والانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان في أي من الدول الأعضاء.
ووفقا للسفير الصادق المقلي، فإن من الطبيعي أن يؤدي تفاقم الكارثة الإنسانية غير المسبوقة في السودان إلى تدخل دولي أو إقليمي، خصوصا بعد فشل جهود العودة للتفاوض.
ويتوقع المقلي أن يواجه أي مشروع قرار داخل مجلس الأمن بفيتو من قبل الصين أو روسيا، لكن من الممكن اللجوء إلى خيار "التدخل الإنساني" في حال أي اعتراض من الصين أو روسيا، وهو الخيار الذي يمكن تنفيذه عبر تحالف دولي إقليمي كما حصل في عدة بؤر نزاع مشابهة.
ويقول للمقلي إن التدخل الإنساني يتم غالبا بإرسال قوات الاحتياطي لشرق افريقيا المرابطة في كينيا والمعروفة بــ "ايساف".
تدخلات سابقة في السودان
- 1991، نفذت الأمم المتحدة والولايات المتحدة والدول الأوربية عملية "شريان الحياة" في السودان، وهي عملية إنسانية سعت إلى مساعدة ملايين المحتاجين والعالقين في الحرب.
- بعد 4 سنوات من اندلاع الحرب في دارفور في العام 2003، أنشأ مجلس الأمن الدولي في يوليو 2007 بعثة مشتركة من الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة، وعرفت البعثة اختصاراً بـ "يوناميد" وانتهت مهمتها في 2020.
- يوليو 2020، أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 2524 الذي قضى بتشكيل بعثة لدعم الانتقال السياسي في السودان عرفت باسم "يونيتامس" برئاسة الدبلوماسي الألماني فولكر بيرتس. وتضمنت مهامها دعم الانتقال السياسي في السودان وحماية المدنيين، وانتهت مهمتها في ديسمبر 2023.