تعرضت الجزائر إلى خيبة أمل بعد أن فشلت في أن تظفر بمقعد إلى جانب الدول المؤسسة لتكتل البريكس، حيث كانت قد تقدمت بطلب الانضمام سعياً منها لتنويع الفرص أمام اقتصادها إضافة إلى الانفتاح على الاستثمار، لتتحول منذ ذلك الحين للاعتماد إلى بناء علاقات اقتصادية واسعة ومستقلة مع الدول الأعضاء في بريكس، خاصة الصين والهند والبرازيل وروسيا.
في العام 2022 كانت الجزائر قد أبدت اهتمامها بالانضمام إلى مجموعة "بريكس"، وسط الكثير من الطموحات الاقتصادية الكبرى التي تعوّل عليها، حيث عبر الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون آنذاك، عن اهتمام بلاده بالانضمام إلى التكتل، واصفا الخطوة بالممكنة، ومشيرا إلى أن الجزائر تمتلك شروط الانضمام.
قوبل طلب الجزائر بالانضمام إلى التكتل بالرفض لأسباب تتعلق بغياب شروط لازمة في طلبها من الناحية الاقتصادية، في حين وافقت المجموعة العام الماضي على طلبات 6 دول، وهي المملكة العربية السعودية وإيران وإثيوبيا والإمارات العربية المتحدة ومصر والأرجنتين، ليرتفع عدد دول مجموعة بريكس إلى 11 دولة بعد أن كانت تقتصر على البرازيل وروسيا والهند والصين وجنوب إفريقيا، ذلك قبل أن يعتذر الرئيس الأرجنتيني، خافيير ميلي، عن الانضمام للمجموعة.
وفي السياق أبدى الرئيس الجزائري، عبد المجيد تبون، الشهر الجاري، عدم الرغبة في الانضمام لمجموعة "بريكس"، خاصة بعد التطورات التي شهدتها المنظمة، وأكد أن:
- الجزائر كانت تريد الانضمام إلى بريكس لأسباب معينة.
- عدم دخول الجزائر المنظمة ربما كان في صالحها.
- الاهتمام انصب على الانضمام لبنك البريكس الذي لا يقل أهمية عن البنك الدولي.
في نهاية أغسطس الماضي، قالت رئيسة بنك التنمية الجديد، التابع لمجموعة بريكس، ديلما روسيف، إن الجزائر حصلت على تفويض للانضمام إلى البنك.
وقالت وزارة الخزانة الجزائرية، في بيان إن "الموافقة الرسمية على انضمام البلاد إلى هذه المؤسسة المالية الدولية، جاءت في ختام الاجتماع السنوي التاسع لمجلس محافظي البنك الجديد للتنمية (NDB)، الذي انعقد في كيب تاون، عاصمة مقاطعة كيب الغربية، بجنوب إفريقيا".
علاقات قوية
ترتبط الجزائر بعلاقات قوية على مستوى التعاون الاقتصادي والاستراتيجي مع دول "بريكس"، خاصة الصين وروسيا.
ومؤخرًا استقبل الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون، نظيرته الهندية دروبادي مورمو، التي حطت في الجزائر في أول زيارة رسمية لرئيس الهند منذ يناير عام 2001، وأجريا مباحثات بشأن التعاون الثنائي وآفاق تطويره.
وتعتبر الهند تاسع أكبر شريك تجاري للجزائر، حيث وصل حجم التبادل التجاري بينهما إلى 1.9 مليار دولار، بحسب وزيرة التجارة الجزائري الطيب زيتوني.
في يوليو من العام الماضي قام الرئيس الجزائري بزيارة رسمية إلى الصين التقى خلالها نظيره الصيني شي جين بينغ، مؤكدًا خلال الزيارة أن الجزائر تسعى لرفع العلاقات الاقتصادية مع بكين إلى مستوى "العلاقات السياسية التاريخية الجيدة"، مضيفا أن زيارته فتحت "كافة آفاق الاستثمار" بين البلدين.
وأعلن خلال الزيارة أن الصين ستستثمر 36 مليار دولار في عدة قطاعات بالجزائر تشمل الصناعة والتكنولوجيا الحديثة واقتصاد المعرفة والنقل والزراعة.
ووصل حجم التبادل التجاري بين الصين والجزائر إلى أكثر من 10 مليارات دولار في 2023، بحسب سفير الصين لدى الجزائر لي جيان.
كما ترتبط الجزائر وموسكو بعلاقات تاريخية، سواء على المستوى الاقتصادي مع تبادلات تجارية بأكثر من 3 مليارات دولار، أو على المستوى السياسي والاستراتيجي، وخصوصا ان روسيا أكبر مورد للسلاح لأكبر بلد إفريقي من حيث المساحة.
ووقع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ونظيره الجزائري عبد المجيد تبون، في يونيو من العام الماضي بالكرملين اتفاقيات للتعاون تشمل مجالات عدة مثل الزراعة والتجارة، بهدف تقوية الشراكة الاستراتيجية بين الجانبين.
تفضيل خيار التوجه نحو دول بعينها
من جهته، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة أم البواقي في الجزائر، البروفيسور مراد كواشي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الجزائر لم تُستبعد من مجموعة البريكس، موضحًا أنها هي من طويت تلك الصفحة على حد تعبير الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون منذ أيام بأن الجزائر طوت هذا الملف نهائيًا، على الرغم من أنه كان يمكنها الترشح للعضوية للمرة الثانية وقد يتم قبولها على غرار مختلف الدول.
وعلل دوافع الجزائر نحو طي ملف الانضمام إلى البريكس، بقوله إن ثمة من انسحب من الدول التي قُبلت عضويتها بالمرة السابقة، لأنها منظمة غير متجانسة من الناحية الاقتصادية والسياسية، مستدلاً على ذلك بوجود خلافات بين بعض الدول بالتكتل منها على سبيل المثال مصر وإثيوبيا والصين والهند (..).
وأوضح أن الجزائر فضلت خيار التوجه نحو دول بعينها وإقامة شراكات مميزة مع تلك الدول، منها على سبيل المثال اختارت إيطاليا لتكون شريكاً استراتيجياً لها في أوروبا بالإضافة إلى تركيا، وفي آسيا هناك دولة عربية مثل قطر ودول في شرق آسيا مثل الصين التي تعد أكبر شريك تجاري لها في الوقت الراهن.
وأكد أن الجزائر فضلت إقامة علاقات مع الدول بغض النظر عن كونها تنتمي إلى البريكس أو لا تنتمي لهذا التكتل، ذلك بحثًا عن مصالحها عبر إقامة علاقات ذات فائدة اقتصادية للجانبين بمبدأ "رابح رابح"، مشددًا على أنها لا تبحث عن الانتماء إلى تكتلات اقتصادية عليها الكثير من نقاط التساؤل.
وبيّن أن الجزائر كانت مخيرة بين خيارين استراتيجيين في علاقاتها الدولية، إما التوجه إلى تكتلات اقتصادية وسياسية بعينها، أو اختيار دول وإقامة علاقات معها بدلا من تلك التكتلات، مشيرًا إلى أن الجزائر كانت لها تجربة سيئة مع الاتحاد الأوروبي، حيث كان هناك اتفاق شراكة ربط بينهما لمدة تجاوزت العشرين عامًا وحتى الآن تخسر الجزائر ملايين الدولارات سنويا قدمت إلى السلع الأوروبية بحسب الاتفاقات، وبالمقابل لم تجن شيئا لا انتقال تكنولوجيا أو توطين استثمارات أوروبية بها، على حد وصفه.
وتبلغ قيمة التبادل التجاري بين الجزائر والاتحاد الأوروبي نحو 46.5 مليار دولار خلال الـ 11 شهر الأولى لسنة 2023، وفق وزير الصناعة الجزائري علي عون.
رفع مستوى التعاون الاقتصادي
فيما أوضح مدير مؤسسة الدراسات الاقتصادية بالجزائر، الدكتور حمزة بوغادي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن الجزائر خلال السنوات الخمسة الماضية أجرت إصلاحات اقتصادية كبرى، مؤكدًا أن هناك ثورة تغيير بالجانب الاقتصادي من حيث الاتفاقات والسياسة الخارجية للجزائر، إضافة إلى الإصلاح والتطوير في كل القطاعات والمجالات.
وأشار إلى أن الجزائر كان لديها طموح بالانضمام إلى منظمة بريكس لما كانت تمثله المنظمة قبل أن تتوسع في السنة الماضية من توافق سياسي وتناغم ما بين دول التكتل الرئيسية، وهو ما كان يتماشى مع الطموحات المستقبلية الاقتصادية والاتجاه العام للسياسة الخارجية الجزائرية، ولهذا السبب كانت تسعى للانضمام والتعاون مع تلك الدول.
وأضاف أنه مع توسعة التكتل بانضمام دول غير متجانسة على الصعيد السياسي والدبلوماسي بينها بعض من الاختلافات تم تمييع هذه المنظمة لتتخذ شكلًا آخر لنوع من التكتل المالي والمصلحي لا يخدم الجزائر، مؤكدًا أن عدم انضمامها لهذه المنظمة كان فيه فائدة أكثر منه خسارة بالنسبة للجزائر خاصة وأن إعدادات وأولويات التكتل تغيرت، على حد وصفه.
وأفاد بأن هناك اتجاهاً عاماً بالنسبة للسياسة الخارجية الجزائرية ومساعي من أجل تعزيز علاقاتها مع دول بريكس، موضحًا أنها لاتقتصر على علاقات اقتصادية لكن هناك أيضًا تحركات دبلوماسية مع تلك الدول ودول أخرى، منها على سبيل المثال روسيا والصين والهند والأرجنتين وقطر وتركيا وكثير من الدول، في نسج العلاقات الاقتصادية.
وقال إن الجزائر من السابق تربطها علاقات جيدة وغير مباشرة مع دول البريكس على جميع المستويات سواء كانت اقتصادية أو تجارية أو سياسية، موضحاً أن ما يجري هذه الفترة هو رفع من مستوى التعاون الاقتصادي من جانب الجزائر التي أصبحت في خضم طموح بناء اقتصاد متنوع. كما توقع أن تشهد تلك التوجهات ازدياداً بالعلاقات التجارية والاقتصادية مع الدول من بينها دول البريكس روسيا والصين والبرازيل وجنوب إفريقيا التي تجمعهم علاقات طيبة منذ استقلال الجزائر.
إعادة الجزائر لمكانتها
كما أكد أستاذ الاقتصاد في الجامعة الجزائرية، الدكتور عمر هارون، في تصريح لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية"، أن عودة الجزائر إلى الساحة الدولية من خلال مواقفها التاريخية في مجلس الأمن الدولي أعاد لها هيبتها التاريخية ومكانتها الحقيقة كدولة محورية.
وأضاف أن الجزائر تحولت مؤخرًا إلى شريك اقتصادي حقيقي في مجال الطاقة مع أوروبا، وهو ما رفع من أسهمها على المستوى الدولي، مشيرًا إلى أن هذا ما يعكسه الاهتمام المتزايد من العديد من الدول التي تملك اهتماماً بإفريقيا لربط علاقات قوية مع بوابة إفريقيا، مستدلًا على ذلك بزيارة رئيسة الهند دروبادي مورمو، تلك الزيارة التي سبقها توتر غير مُعلن بسبب قضية البريكس.
وأفاد بأن هناك توجها للجزائر نحو توطيد العلاقات الجزائرية الهندية بشكل ثنائي بعيدا عن منطلق الكيانات الاقتصادية الكبرى، كما كان عليه الحال مع بعض دول الاتحاد الأوروبي حين حدث اختلاف في وجهات النظر بينهما، فكانت النتيجة علاقات متميزة وشراكة اقتصادية قوية مع إيطاليا، والتي أثمرت العديد من المنافع والمشاريع المشتركة.