"إذا كان الغموض النقدي فنًا، فإن بنك الشعب الصيني يستخدمه إلى أقصى حد".. بحسب وصف الأستاذ في جامعة كورنيل وزميل بارز في مؤسسة بروكينغز، إيسوار براساد، في مقال له بصحيفة "فاينانشال تايمز" البريطانية.
من بين البنوك المركزية الكبرى في كل من الأسواق المتقدمة والناشئة، فهو البنك الوحيد الذي لا يُجري تغييرات على أسعار الفائدة وغيرها من جوانب السياسة النقدية المرتبطة بدورة متوقعة من اجتماعات لجنة السياسة. وبدلاً من ذلك، يتم إجراء التغييرات السياسية على أساس مخصص ويتم إبلاغها من خلال البيانات الصحافية .
وباعتباره البنك المركزي لثاني أكبر اقتصاد في العالم، والذي يطمح إلى تعزيز آليات السوق، فإن هذا الافتقار إلى الشفافية له عديد من العواقب السلبية، سواء على المستوى المحلي أو الدولي، وفق براساد.
- غموض بنك الشعب الصيني يترك المشاركين في السوق المالية في حيرة بشأن استراتيجيته للسياسة النقدية.
- بنك الشعب الصيني بدلاً من إدارة التوقعات بشأن أسعار الفائدة، وهو عنصر أساسي في سياسة البنك المركزي، ينتهي به الأمر عادة إلى اتخاذ موقف دفاعي، فيتفاعل مع تطورات السوق.
- هذا يجعل نقل السياسة النقدية إلى النشاط الاقتصادي والتضخم، وهي عملية معقدة في أفضل الظروف، أكثر صعوبة في الإدارة.
- تتمثل نتيجة أخرى في تراكم الضغوط غير الضرورية على سعر الصرف عندما يحاول تجار العملة استنباط نوايا بنك الشعب الصيني في اتجاه أو آخر.
هذا الافتقار إلى التواصل كان بمثابة نتائج عكسية سيئة في السابق. ففي أغسطس 2015، أدت خطوة مفاجئة حسنة النية لتحرير سعر الصرف، والتي تم الإعلان عنها من خلال بيان غامض، إلى خلق حالة من الذعر في السوق.
وكان توسيع نطاق تداول اليوان مقابل الدولار مصحوبا بخفض قيمته بنحو 2 بالمئة، وهو ما اعتبر خطأً علامة على المزيد من التخفيض في المستقبل. وفي نهاية المطاف، عقد بنك الشعب الصيني مؤتمراً صحافياً لتوضيح نواياه. ولكن الضرر كان قد وقع، مع فرار رأس المال من الصين وانخفاض قيمة العملة بشكل حاد، وفق كاتب المقال.
- بنك الشعب الصيني يحاول تحديث السياسة النقدية باستخدام أسعار الفائدة للسيطرة على خلق الائتمان في الاقتصاد بدلاً من إصدار الأوامر للبنوك بشكل مباشر بتوسيع أو الحد من الائتمان.
- يعرقل هذا الهدف الجدير بالثناء غياب إطار شفاف لتعديل أسعار الفائدة.
- هذا يجعل من الصعب أيضًا الترويج لدور اليواني كعملة دولية.
- وهذا يجعل المستثمرين الأجانب متشككين في مزاعم بنك الشعب الصيني بالسماح بسعر صرف تحدده السوق وعدم إدارته باستخدام ضوابط رأس المال.
- إن الافتقار إلى الشفافية يجعل من الصعب على بنك الشعب الصيني مقاومة ضغوط السوق.
ووفق ما ورد في المقال، فإنه من المؤكد أن بنك الشعب الصيني لا يتمتع بحرية التصرف، فهو يفتقر إلى الاستقلال القانوني، ولا يتمتع محافظه بمكانة وزير في مجلس الوزراء.
تتخذ قرارات السياسة النقدية من قِبَل مجلس الدولة، وهو هيئة سياسية، على الرغم من أن البنك المركزي يؤثر بالتأكيد على هذه القرارات. وهذا يضعه في موقف صعب لا يمكنه فيه أن يصور نفسه كهيئة مستقلة لصنع القرار.
لكن البنوك المركزية الأخرى في الأسواق الناشئة، مثل بنك الاحتياطي الهندي، لم تسمح لافتقارها إلى الاستقلال القانوني بأن يقف في طريق استراتيجية الاتصال التي تشرح الأساس المنطقي وراء القرارات. وقد منحته الاتصالات المفتوحة التي أجراها بنك الاحتياطي الهندي مصداقيته، وبالتالي سمحت له باكتساب بعض الاستقلال بحكم الأمر الواقع. والآن يتمتع بنك الاحتياطي الهندي باستقلال تشغيلي في إدارة أسعار الفائدة وسعر صرف الروبية الهندية، ضمن الإطار الواسع الذي حددته الحكومة. وقد أدركت الحكومة الهندية أن هذا الاستقلال قيم، حيث يحافظ على أسعار الفائدة، وبالتالي تكاليف الاقتراض، منخفضة ويقلل من تقلبات أسعار الصرف.
ووفق المقال، فإن بنك الشعب الصيني يريد تحديث السياسة النقدية الصينية وتحرير الأسواق المالية وتعزيز قيمة اليوان. ولتحقيق كل هذه الغايات، فإنه يحتاج إلى إطار أفضل للسياسات، حتى ولو ظلت عملية اتخاذ القرار الفعلية خارج نطاق سيطرته.
لكن التواصل الأكثر انفتاحاً يشكل شرطاً أساسياً لأي إطار لتحقيق نتائج طيبة. وبدون ذلك، فمن غير المجدي أن تتوقع الحكومة الصينية من بنك الشعب الصيني أن يفي بفعالية بالتزاماته في تعزيز الاستقرار النقدي والمالي.
الغموض يكتنف الاقتصاد الصيني
يقول رئيس الأسواق العالمية في Cedra Markets، جو يرق، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية": "ليس من المستغرب أن يتعرض البنك المركزي الصيني لاتهامات بعدم الشفافية، فالغموض الذي يكتنف الاقتصاد الصيني يعود إلى طبيعته الشيوعية التي لا تعتمد على الشفافية الواسعة".
ويضيف: "الأرقام الاقتصادية الصينية قد تكون غير دقيقة، حيث يلعب البنك المركزي دورًا مؤثرًا في القطاع المصرفي، إذ تسيطر الدولة على معظم البنوك في الصين، سواء كانت حكومية أو خاصة".
- هذا الهيكل يسمح للبنك المركزي بالتحكم في أسعار الفائدة والسيولة وتوجيه السياسات المالية.
- على سبيل المثال، أصدر البنك تعليمات قبل نحو أسبوع تمنع الإعلان عن الأموال التي تخرج من الاقتصاد الصيني، مما يعكس حالة الركود التي يعاني منها الاقتصاد في الفترة الأخيرة.
ويستطرد: تواجه الصين تحديات اقتصادية كبيرة، خاصة في القطاع العقاري، حيث يحتاج إلى نحو 500 مليار دولار، مما يزيد من الضغط على الاقتصاد. وفي الوقت الحالي، يقوم البنك المركزي بخفض الفوائد وسحب السيولة من الأسواق نتيجة ضعف القروض وانخفاض الاستهلاك والطلب، مما يؤثر سلبًا على الاقتصاد.
كشفت بكين في مايو عن خطة للبنك المركزي الصيني والبنوك الحكومية لتعبئة ما يصل إلى 500 مليار يوان (70 مليار دولار) من القروض لدعم المؤسسات الحكومية المحلية لشراء العقارات غير المباعة. ثم ستقوم الحكومات المحلية بتأجير العقارات كمساكن اجتماعية.
ويقول يرق: تعتمد الحكومة الصينية بشكل كبير على البنك المركزي في تنفيذ التوجيهات المالية والنقدية، وفي ظل هذه الظروف، يستمر نقص الشفافية والوضوح في السياسات الاقتصادية. تسعى الصين لتحقيق نمو اقتصادي بأرقام مزدوجة، لكن في الوقت الراهن، وبعد أن كان معدل النمو 6.5 بالمئة، يتراجع الهدف إلى 5 بالمئة. يبقى أن الأنظمة غير الديمقراطية، مثل النظام الشيوعي الصيني، أقل شفافية مقارنة بالأنظمة المالية الحرة والديمقراطية."
غياب الشفافية
بدورها، تشير خبيرة أسواق المال، حنان رمسيس، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن "غياب الشفافية في بنك الصين يعود إلى افتقاره لحرية التصرف والاستقلال القانوني"، فمحافظ البنك المركزي لا يتمتع بمكانة وزير في مجلس الوزراء، وقراراته في السياسة النقدية تتبع بشكل كامل توجيهات الدولة.
وتوضح أنه إذا قررت الدولة خفض أسعار الفائدة، يتم تنفيذ القرار فورًا، وإذا ارتأت رفعها، يتم ذلك دون تدخل أو مناقشة من قبل البنك. على عكس البنوك الفيدرالية والمركزية التي تعتمد على اجتماعات لجان السياسات لتحديد الاتجاهات النقدية، فإن قرارات بنك الصين تصدر مباشرة من الدولة، مما يحد من حريته في التصرف ويضعف الشفافية الضرورية لنشر مؤشراته ومراقبة تحركات الأصول الداخلة والخارجة في الموازنة العامة."
وتضيف رمسيس أن "هذا الغياب للشفافية ينعكس سلبًا على أسواق المال التي تتطلب مستوى عالٍ من الوضوح لاتخاذ القرارات الاستثمارية الصائبة. في ظل غياب المعلومات الدقيقة، تتحرك الأسواق وفقًا للقرارات المفاجئة وليس بناءً على التوقعات المدروسة، مما يؤدي إلى تذبذب حركة التداول وتأثير سلبي على الأداء العام للأسواق".