وصلت قيمة العطاءات لشركات مدرجة في لندن هذا العام إلى أعلى مستوى منذ سنة 2018، حيث تساعد أسعار الأسهم المضطربة على جذب المشترين المحتملين وتمنح المملكة المتحدة دورًا في الانتعاش المتنامي في صفقات الاستحواذ العالمية.
تتنوع الأهداف حتى الآن من شركات دولية كبيرة مثل شركة التعدين أنغلو أميركان إلى مجموعات تشمل خدمات التوزيع الدولية البريطانية.
تلقت المجموعات المدرجة في لندن أكثر من 78 مليار دولار قيمة عروض هذا العام، معظمها قادم من مشترين أجانب، وفقًا لبيانات من Dealogic.
وعلى الرغم من أن ثمة صعوبات تجاه بعض الأهداف قد أثرت بشكل خاص على أسعار أسهمها، إلا أن المصرفيين يقولون إن انتعاش الاهتمام يعكس أيضًا توقعات بأن معدلات الفائدة قد وصلت إلى ذروتها وتم احتواء التضخم، بحسب تقرير لصحيفة "فاينانشال تايمز".
والأسبوع الماضي أشار بنك إنجلترا إلى أنه سيخفض أسعار الفائدة من أعلى مستوى لها منذ 16 عاماً عند 5.25 بالمئة هذا الصيف إذا ظل التضخم منخفضاً. ويقول مصرفيون إن التوقعات بأن أسعار الفائدة بلغت ذروتها في الولايات المتحدة ومنطقة اليورو شجعت أيضا الرؤساء التنفيذيين على متابعة الصفقات.
- ارتفعت القيمة الإجمالية لعمليات الاندماج والاستحواذ العالمية بنسبة 30 بالمئة إلى 690 مليار دولار في الربع الأول، وفقا لبيانات من مجموعة بورصة لندن.
- من بين الصفقات البريطانية التي تم الاتفاق عليها هذا العام، استحواذ شركة الأسهم الخاصة الأميركية Thoma Bravo على شركة Darktrace للأمن السيبراني مقابل 4.3 مليار جنيه إسترليني، وشراء شركة International Paper لمجموعة DS Smith للورق والتغليف بقيمة 7.8 مليار جنيه إسترليني.
سببان رئيسيان!
يقول الرئيس التنفيذي في مركز كوروم للدراسات الاستراتيجية، طارق الرفاعي، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إن هناك عاملان رئيسيان في زيادة الاهتمام بالاستحواذ على الشركات البريطانية (ووصولها إلى أعلى مستوياتها منذ العام 2018).
العامل الأول مرتبط بضعف أداء سوق المال البريطانية، لا سيما بالمقارنة مع الأسواق الأوروبية الأخرى، بما في ذلك السوق الألمانية، وهو ما أعطى -في تقدير الرفاعي- الشركات البريطانية أفضلية دون غيرها من الشركات الأوروبية فيما يخص عمليات الاستحواذ.
يشار إلى أنه في الربع الأول من العام الجاري ارتفع مؤشر داكس الألماني بنسبة تصل إلى 10.4 بالمئة، وفق حسابات موقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية". فيما ارتفع مؤشر فوتسي البريطاني بنحو 2.8 بالمئة.
أما العامل الثاني بحسب الرفاعي، فيتعلق بتباطؤ النمو الاقتصادي في بريطانيا بشكل كبير.
وبحسب البيانات الصادرة عن مكتب الإحصاء الوطني (ONS)، فإن الاقتصاد البريطاني -الذي كان قد دخل في "ركود فني" طفيف في النصف الثاني من العام الماضي- سجل نمواً بنسبة 0.6 بالمئة في الربع الأول من العام الجاري. وقال وزير المالية البريطاني، جيريمي هانت: "لا شك أنه كانت هناك سنوات قليلة صعبة، لكن أرقام النمو اليوم دليل على أن الاقتصاد يعود إلى عافيته الكاملة لأول مرة منذ الوباء".
ولا تزال ثمة مخاطر محتملة على الاقتصاد، مثل معدلات التضخم التي ما زالت مرتفعة واحتمال حدوث ركود عالمي.
ونقل تقرير الصحيفة البريطانية عن إيان فين، الشريك في شركة لينكلاترز للمحاماة، حيث يقدم المشورة بشأن عمليات الاندماج والاستحواذ، قوله: "كان هناك عدد كبير من الأشخاص الذين يتطلعون العام الماضي إلى شراء شركات بريطانية، لكن لم يتمكن أحد من الوصول إلى التنفيذ.. الآن هناك المزيد من الثقة.. الطلب المكبوت يشق طريقه قليلاً في بعض الحالات".
كما قال بيتر لاك، رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية في المملكة المتحدة في بنك أوف أميركا، إن التقييم المنخفض للشركات في سوق لندن يتعين أن يؤدي أيضاً إلى المزيد من المعاملات، مع اختفاء بعض العقبات السابقة أمام الصفقات.
وأضاف: "أصبحت المملكة المتحدة جذابة للغاية من الناحية الهيكلية لعمليات الاندماج والاستحواذ.. كان هناك الكثير من الإحباط خلف الكواليس بشأن التقييمات والشعور بأن السوق لا تكافئ الشركات البريطانية بشكل صحيح".
حتى باستثناء عرض شركة بي إتش بي الذي تبلغ قيمته 31 مليار جنيه استرليني لشراء شركة أنغلو، وهو بشكل مريح أكبر نهج استحواذ لشركة مدرجة في لندن هذا العام، فإن قيمة العروض لا تزال هي الأعلى منذ العام 2018، وفقا لشركة ديلوجيك.
السمعة التاريخية
من لندن، يشير الخبير الاقتصادي، أنور القاسم، في تصريحات خاصة لموقع "اقتصاد سكاي نيوز عربية" إلى أن ثمة عدة أسباب تجعل الشركات البريطانية محط أنظار المستثمرين، وأبرزها:
- بريطانيا أصبحت جذابة للغاية من الناحية الهيكلية لعمليات الاندماج والاستحواذ.
- السمعة التاريخية للشركات تجذب المستثمرين.
- مناخ الاستثمار والقوانين المواتية لرأس المال.
- الكثير من الشركات البريطانية محبطة ولديها شعور بأنها لا تقيم داخلياً بالشكل الصحيح ولا تحصل على المكافآت التي تستحق.
- اختفاء بعض العقبات الصارمة أمام إتمام الصفقات وعمليات الاندماج.
ويضيف القاسم: "يجد المستثمرون الخارجيون أن باستطاعتهم تنمية هذه الشركات وتحقيق أرباح خيالية من خلال نقل جزء كبير من الإنتاج إلى الدول النامية مع الاحتفاظ بالمقر والتطوير في المملكة المتحدة، وهذا ما تفعله معظم الشركات الكبرى الناجحة الآن".
ويذكر الخبير الاقتصادي أن المستثمر في الولايات المتحدة وأوروبا يؤمن بوجود فرص هائلة للاستحواذ على الشركات البريطانية التقليدية وتهجينها باستخدام تقنيات مختلفة، بما في ذلك تطبيقات الذكاء الصناعي الواعدة التي تقلل بشكل كبير اليد العاملة وتفرز نتائج مالية مذهلة وتطوير مستمر.
ويتوقع القاسم أن اتجاه الاستحواذ سيبلغ قمته مع نهاية هذا العام، لا سيما بعد أن يتم خفض أسعار الفائدة البريطانية وتخفيض التشديد المالي في البلاد والانفتاح أكثر على استجلاب الاستثمارات الخارجية لتعزيز الاقتصاد البريطاني، الذي بات الأضعف بين الدول الصناعية السبع الكبرى.
ويتوقع بعض الاقتصاديين خفضا في وقت أقرب خلال الاجتماع المقبل في يونيو، وثلاث تخفيضات أو أكثر في عام 2024. ويعود ذلك إلى حد كبير إلى توقع انخفاض كبير في معدل التضخم في المملكة المتحدة في أبريل بسبب انخفاض أسعار الطاقة، من 3.2 بالمئة حاليا إلى أقل من هدف بنك إنجلترا البالغ 2 بالمئة، وفقًا لبعض التوقعات.
تحديات أساسية
لكن على الرغم من تلك النظرة المتفائلة، إلا أن ثمة مجموعة من العقبات التي من شأنها تهديد تلك النظرة المتفائلة التي تكشف عنها أحدث البيانات المرتبطة بعروض وصفقات الاستحواذ على الشركات البريطانية، والتي يؤكدها المحللون على ذلك النحو، من بينها العوامل الخارجية المرتبطة بتأثيرات الاضطرابات الجيوسياسية على الأسواق العالمية، وانعكاساتها الاقتصادية الأوسع.
وفي هذا السياق، يشير تقرير الصحيفة البريطانية، إلى أنه على الرغم من الأدلة على الاهتمام المتزايد بالشركات المدرجة في لندن، قال أليسدير جاين، رئيس الخدمات المصرفية الاستثمارية البريطانية في بنك باركليز، إن المخاطر الجيوسياسية وعدم اليقين بشأن مرونة الاقتصاد العالمي ستظل تخفف من انتعاش الصفقات.
وتباطأ معدل التضخم السنوي في المملكة المتحدة، خلال مارس الماضي، إلى 3.2 بالمئة، عند أدنى مستوياته في نحو عامين ونصف، ما زاد التوقعات بأن بنك إنكلترا قد يبدأ في خفض أسعار الفائدة خلال الأشهر القليلة المقبلة.
وكان التضخم في المملكة المتحدة سجل أعلى مستوى له فوق 11 بالمئة نهاية عام 2022، في أعقاب الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى زيادات حادة في تكاليف الطاقة.