الناس تسمع كثيرا عن التغيير، لكنها لا تدركه إلا حين يحدث. وهو بلا شك يحدث في المملكة العربية، ويطال أكثر من موضوع عالق، ليست جميعها في دائرة فهم الإعلام خارج السعودية والمنطقة.

الإعلام العالمي يفهم مثلا موضوع القرارات بشأن قيادة المرأة. موضوع يبدو خفيفا وسهلا، والأهم أنه "آمن" بالنسبة لنخبة الإعلام العالمية، لا يخشون فيه تجاوز "الصوابية السياسية"، ولا أن يظهروا -لا سمح الله- في مظهر المؤيد لملكية محافظة ثرية "وهابية". هذا المقطع الأخير يمثل ستريوتايب يفضل الإعلام العالمي الكسول تكراره مرة بعد أخرى.

أما المواضيع المتعلقة بالأمن القومي السعودي، وهو ركن ركين من أعمدة استقرار مصر والخليج ومنطقة الشرق الأوسط، فلا يبدو أنه يبذل محاولة جادة لفهمه.

إيران دولة مصنوعة على غرار دولة بابوية من العصور الوسطى. يمسك شخص واحد، موقر لدى مقلديه من أتباع دينه، بالدين والدنيا في يده. بمنزلة تجعله في الحقيقة معصوما، ملكا نبيا، في عهد ما بعد النبوة. ليس في السلطة السعودية من يملك شيئا من ذلك التقديس.

من هذا الوضع الناشئ في إيران تغير شكل المنطقة عبر عقود. الحكم الإيراني، على عكس السعودي، حكم توسعي. يعتقد في وجوب إقامة ”أمة إسلامية“ تأتمر بأمر الولي الفقيه، نائب صاحب الزمان.

وهي من أجل هذا الغرض تمول ميليشيات تدين لها بالولاء والطاعة المطلقة. حسن نصر الله، وقادة إيران، صرحوا بهذا مرارا، لكن بعض الإعلام العالمي يصر على أن يتغافل عنه.

تمددت هذه الميليشيات، صارت صاحبة الكلمة العليا في العراق، تحكم فعليا القرار اللبناني، وتخوض حربا بالنيابة عن الدولة اللبنانية في سورية، وتدرب ميليشيات شبيهة في اليمن. بالجغرافيا، تضرب طوقا حول المملكة العربية السعودية. وهنا نأتي لبيت القصيد.

السعودية دولة في وضع حرج. تمتلك مقومين عظيمين تحلم بهما أي دولة: الثقل المعنوي كونها بلد الحرمين، والثروة. هذا الثقل السياسي الضخم، على كل مميزاته، جعلها مطمعا، وجعلها أيضا تفضل الاستقرار، وتسعى إليه بكل ما أوتيت، وتتجنب المواجهات.

غذى هذا الشعورَ مجموعةٌ أخرى من الأعراف والتقاليد، مرتبطة بالطبيعة العشائرية. الخلافات مع الجوار تسوى عادة بجلسات عرب، الكلمة فيها عقد، والعرف فيها حاكم. بتعبير آخر: الاعتماد على ”العشم“ فيها كبير. الجيل الأول من أبناء الملك عبد العزيز كلهم نشأوا هذا المنشأ.

ماذا حدث؟

ظهر وجه جديد في القيادة السعودية. من جيل يملك تفكيرا سياسيا مختلفا، لا يرى أن هذا الأسلوب القديم منجز.

من كل تصريحات ولي العهد الأمير محمد بن سلمان سأشير إلى هذه الفقرة من حوار له مع مجلة بلومبرغ في أبريل من عام ٢٠١٦. يقول إنه عاش طفولته وسط أمراء واكتسب من هذه التجربة خبرة ضخمة، ثم يضيف، ”لو عملت وفقا لنهجهم، ما الجديد الذي سأقدمه؟“

في ذهن القيادة السعودية الجديدة إذن أن هذا المسار السابق لم يحل شيئا، بل أدى إلى بقاء الملفات عالقة، من جلسة إلى جلسة، ومن سنة إلى سنة، ومن عقد إلى عقد. لا شيء يُحسم. بالعكس، لقد سمح للخصوم بالتمدد، ولـ"الجيران" باستغلال رغبة السعودية في تجنب المشاكل والمواجهات. وسمح لبعض قوى الداخل بابتزاز السلطة لفرض رؤيتهم، ولو أضروا بمصلحة البلاد العليا ورفاهية أبنائها. لا بد لهذا أن يتغير.

العقلية التي غيرت طريقة التعاطي السعودي مع التهديد الإيراني هي نفسها التي غيرت في موضوع قيادة المرأة للسيارة. الزمن لن يتوقف لينتظر البطء. أو حسب تعبيره، لا ينوي أن يضيع ثلاثين سنة أخرى. هناك ملفات يجب أن تنجز. وهناك مسؤوليات على دول مجاورة عليها أن تتحملها، دون أن تتوقع رد فعل سعوديا شبيها بما كان. دون أن تتوقع جلسات عرب، واتفاقات لا تحترم. أو صبرا تتمدد فيه الدول المعادية وتهدد الأمن القومي السعودي.