هناك أناس تمثل الصلاة عندهم قيمة كبرى، هؤلاء سيحرصون عليها مهما كان المدفوع، سيستمرون في استقطاع وقت من أجل الصلاة ويتحملون تكلفته رغبة في إرضاء ربهم، لكنهم سيضمنون أن يكون ذلك الوقت أقصر ما يمكن، لن ينتقص من الصلاة لكنه سينتقص من أي زيادات إضافية لا داعي لها.

هناك أناس لن يتحركوا من مكاتبهم، هؤلاء الذين لم يذهبوا إلى الصلاة سابقا إلا رغبة في انتقاص "مدفوع الأجر" من وقت العمل. والآن، حين صار الاقتطاع من وقت العمل محسوبا، توقفوا.

إن تطبيقا خياليا كهذا سيجعل الناس تقدر دينها حق قدره عندها، لا تتعامل معه كالخبز المدعوم من الحكومة، تشتري منه بشره لا حبا فيه بل استرخاصا لثمنه، تستهلك منه القليل ولا تبالي بالهدر منه، فهناك جهة أخرى تدفع ثمن هذا الهدر.

وإن كان التطبيق الإلكتروني خيالا، فإن التطبيق على أرض الواقع موجود بصورة كبيرة في أميركا، بدستور واضح في فصله بين مؤسسات الدولة والدين، فصل يضمن الحرية الدينية بأن ينزع من الدولة أداة التحكم في إيمان الناس، واختياراتهم الفردية فيه، مارس دينك كما تشاء، وجزاؤك عند ربك، لكن لا تتوقع أي ميزة دنيوية عن غيرك، ولا تخشى عقابا أيضا من غيرك، إن كنت أنت المعتدي سيلاحقك القانون ليحمي عقائد الآخرين.

هذا الفصل بين الدين والدولة السبب الأساسي في تدين الأميركيين على ما يذهب كثيرون، لقد صاروا مسؤولين كأفراد عن النسخة التي يتخذونها من الدين، يعلمون أنهم لو صنعوا دينا متواكلا متكاسلا فإن أحدا لن يعوضهم عن ساعات الكسل تلك، ولا سيرضخ مدير لابتزازهم إن أخبروه بأنهم عطلوا مصالح تساوي ملايين لأنهم أرادوا أن يحصلوا على حسنات أكثر.

لقد صار الأميركيون يبنون قيم الدين على أرضية تحقيق المزيد من النجاح في الحياة، والتيار المتدين في أميركا قوي في مجال البزنس، لأن قيم العمل في قلب تعاليمه، ليس مشغولا بأن يجبر الآخرين أن يحذوا حذوه، ولا مشغول بأن يمنع الآخرين من التحرك باستخدام سيف الأحكام والفتوى والتحريض الديني ضدهم، بل مشغول بصناعة قيم تجعل رأسه أعلى، تجعله قويا في المنافسة، مغريا بالتطلع إليه.

لقد أنقذت العلمانية الإيمان الشخصي من فعل رجال الدين والسياسة به، العامة في القرون الوسطى أدركوا في لحظة أن الدين وقف ضد رقيهم وضد رخائهم، وأنه حال بينهم وبين المعرفة، وبينهم وبين الطب والصحة، وبينهم وبين القرار الاقتصادي السليم، وبينهم وبين المشاعر، وقتها أخذوا من الدين والإيمان موقف الشك والريبة ثم العداء.

في منطقتنا لا يزال المستفيدون من الدين، الذين يسخرونه لمصالحهم، يخدعون الناس، يقنعونهم أن العلمانية اعتداء على الدين أو حرب عليه. وهذا أبعد ما يكون عن الصحة، ومخالف للواقع، وأميركا تشهد.

العلمانية هي الفصل بين الدين وبين مؤسسات الدولة، منع رجال الدين من تسيير مؤسسات خدمة المواطنين لصالحهم، هي الفصل بين مؤسسات الدولة وبين الدين، منع رجال السياسة من تسخير الدين واستغلال إيمان الناس لصالحهم.

العلمانية في الطب هي الفصل بين الدين وبين المعرفة الطبية، المريض يحتاج إلى ما ينفعه ويحسن حالته، وهذا يحدده خبير في الطب، رجل الدين لا علم له بالطب ولا ينبغي أن يحوز سلطة في القرار الطبي، والرقية لم تمنع الأمراض كما منعها البنسلين.

استبدل بكلمة الطب لفظة السياسة، يستقم المعنى.