لكنه ليس كذلك، الغرب وإسرائيل يفضلون معه سياسة الاحتواء، عقابه إن تجاوز الحدود، والتغاضي عنه إن التزم بها.

وبعد الحرب التي جر إليها لبنان مع إسرائيل في 2006 توالت القرارات الدولية ضد حزب الله، ونشطت المحكمة الدولية الخاصة بمحاكمة قاتلي رئيس الوزراء اللبناني رفيق الحريري.

كانت أصابع الاتهام تشير في اتجاه التحالف، الذي يشكل الحزب ركنا أساسيا فيه. الوزير اللبناني مروان حمادة صرح بأن السيارات التي نفذت محاولة اغتياله، قبيل اغتيال الرئيس الحريري، خرجت من "جراجات حزب الله"، وبعد اغتيال الحريري توالى اغتيال نواب وصحفيين من خصوم حزب الله، في إرهاب منظم متواصل متتابع.

لكن الضغط لم يدم، والتصريحات صمتت، ومع قدوم الرئيس باراك أوباما اندثرت أخبار المحكمة الدولية كأنما تبخرت.

لا بد أن أوباما، ومن قبله إسرائيل، يريان في وجوده "الملتزم" فائدة.

والأعجب من هذا وذاك كان سلوك العماد ميشيل عون، فقد سبق أن قدم شهادته ضد حزب الله في جلسة للكونغرس الأميركي، وكان وراء استصدار القرار 1559 (الذي يدعو إلى نزع سلاح الميليشيات اللبنانية). وهو أول من وجه سهام الاتهام إلى حزب الله في اغتيال رئيس الوزراء الحريري.

لكنه بعد ذلك لم يكتف بالصمت كسابقيه. بل تحول إلى نصير حليف متحمس لحزب الله، وانتقل اسمه من قائمة الاغتيالات إلى قائمة الشرف.

وفي عام 2006، في الحرب المدمرة التي جر حزب الله إليها لبنان، اعتبر نفسه شريكا في "النصر الإلهي"، منبع العجب الأكبر هنا أن حزب ميشيل عون "التيار الوطني الحر"، قام أساسا على فكرة استقلال الدولة اللبنانية وسيادتها، وأن لا سلاح سوى سلاح الدولة. وحرب الإلغاء التي خاضها قرب نهاية الحرب اللبنانية، حين كان قائدا للجيش، كان هدفها المعلن إلغاء كل سلاح غير سلاح الدولة. ورفضه لاتفاق الطائف وانتقاله إلى منفى فرنسي كان من هذا المنطلق، أنه يرفض احتفاظ حزب الله دون غيره من الميليشيات اللبنانية المشاركة في الحرب الأهلية بسلاحه (لغرض مقاومة الاحتلال الإسرائيلي للأرض اللبنانية).

لقد تحول إلى حليف للحزب الذي يجسد كل ما كان يحاربه. تحول هو نفسه، والوزراء المحسوبون عليه كصهره جبران باسيل إلى أكبر داعمين لميليشيا حزب الله، وسلوكها، ليس فقط في الداخل اللبناني، بل وخارج الحدود أيضا.

لا بد إذن أنه يرى في وجود فائدة.

الفائدة التي يراها "التيار الوطني الحر" وتحالف الأقليات اللبناني في حزب الله عبر عنها المحامي إبراهيم كنعان، أحد وجوه الحزب البارزة، في 2006، حين قال إن حزب الله الضمان الأكبر لعدم التغول السني.

حزب الله جيد جدا في الترويج لهذه المقولة. بعد أن كان يبرر وجوده بـ الاحتلال الإسرائيلي، صار الآن يبرره بالخطر السني.. الحياة تتطور.

إنما هذا لا يمنعه - في نفس الوقت - من إقناع قطاع كبير من "العلمانيين" بأنه أقرب إليهم، وأكثر انفتاحا على أفكارهم. فتجد الواحد منهم يندد بالإرهاب السني، وهو محق في هذا، لكنه يخجل من التنديد بحزب إرهابي ميليشياوي شيعي.

بل صار من العادي لمثقف علماني أن يمدح رجل الدين السياسي الميليشياوي حسن نصر الله، بلا خجل ولا مواربة، لكن الويل كل الويل لو امتدح تجربة تنمية في دولة عربية. 

الأزمة الفكرية في مجتمعاتنا متعددة المستويات، لكن أخطرها أن الأفكار ليست واضحة حتى في عقل الذين مهنتهم بث الأفكار. الإرهاب والسلوك الميليشياوي كله شر، سواء كان سنيا أم شيعيا.