في عام 1938 وبسبب المقدمات العسكرية للحرب العالمية الثانية عاد الأمير زيد بن الحسين، أصغر أبناء الشريف حسين، إلى بغداد، منهيا عمله كسفير للعراق في برلين. كانت بصحبته زوجته الأميرة فخر النساء زيد. وهي ابنة لعائلة تركية عريقة وفنانة تشكيلية واكبت التحول التركي الكبير في عشرينيات القرن الماضي. فكانت أول فتاة تركية تلتحق بأكاديمية الفنون في اسطنبول.
فكانت أول فتاة تركية تلتحق بأكاديمية الفنون في اسطنبول. تزوجت من روائي تركي وأنجبت منه ثلاثة أطفال، قبل طلاقها، ثم زواجها من الأمير زيد عام 1935.
بعد الحياة في اسطنبول، ثم في برلين، لم تطق الأميرة فخر النساء الحياة في بغداد. هذه العلاقة النفورة بين الفنانة التركية الأصل وبين المدينة ستثبت أنها علاقة أكثر تأثيرا مما ظنت. منحها نفورها من المدينة المحطة الأولى في شهرتها العالمية. لكن بعد ذلك ستعود لتمنحها ما هو أكثر كثيرا.
تركت فخر النساء زوجها في بغداد وعادت إلى اسطنبول، حيث أقامت معرضها الفردي الأول عام 1945، ثم أزمير في العام نفسه، ثم إسطنبول للمرة الثانية. في العام التالي، 1946، انتقلت إلى لندن مع زوجها الذين عين سفيرا هناك.
كانت هذه محطتها الفنية الثانية. والأضخم.
موقع لندن العالمي، وموقعها من لندن كزوجة سفير، وعضوة في العائلة المالكة، جعل موهبتها الفنية مرئية في أوساط أوسع. لكن السبب الذي تشير هي إليه أنها استقلت في تلك الفترة الطائرة لأول مرة. قالت إن الطيران كان تجربة فنية جذرية، حين رأت العالم من زاوية جديدة، ورأت أنها تستطيع أن تمسك بمدينة في كف يدها. فتحولت إلى الرسم التجريدي. وفي ظل هذه التجربة رسمت فخر النساء أشهر لوحاتها، "الصراع مع التجريد"، و"مشاكل محلولة"، و"جحيمي".
لكن بغداد عادت تلاحقها وكادت تنتصر عليها لولا أن انقباضها من الحياة فيها كان أقوى. في عام 1958 طلب من زوجها الأمير زيد العودة إلى بغداد كقائم بالأعمال بينما الملك فيصل الثاني يقضي إجازته الصيفية في الخارج، و أصرت هي على عدم العودة، وأقنعته بألا يعود. وقد كان.
هل كانت تلك فراسة فنانة؟
هذا النفور من بغداد أنقذ حياة زوجها. وقعت ثورة/انقلاب تموز (14 يوليو 1958)، وأعدم الملك فيصل الثاني وولي العهد عبد الإله بن علي الهاشمي ورئيس الوزراء نوري السعيد باشا. وأغلب الظن أن مصير زوجها لو كان هناك لما اختلف.
منحت أسرة الأمير زيد بن الحسين 24 ساعة لإخلاء السفارة في لندن. وانتقلت فخر النساء زيد مع أسرتها إلى سكن مستأجر. وبدأت المرحلة الثالثة في مسيرة فخر النساء زيد الفنية.
في عمر السابعة والخمسين دخلت المطبخ لأول مرة. وهناك رأت في عظام الطيور مادة خاما لأعمال فنية. بالرسم عليها، أو بتشكيلها في صمغ الأشجار. كما تخلت عن التجريد، وعادت إلى رسم بورتريهات لأفراد الأسرة وأصدقاء.
بعد ما حدث - تقول - فقدت ألوانها. صارت غير قادرة على رؤية ألوان في الحياة. الغرفة المخصصة لتلك الفترة في المعرض، فعلا، تفقد ألوانها. أحيانا تنطفئ ألوان الصورة. وأحيانا تبقى حية ولكن متناثرة، كسولة. غريبة علاقة الإنسان بموهبته. بالتأكيد لم تقرر وهي تواصل إنتاجها الفني أنها سترسم لوحات "فاقدة الألوان". الفن لا يعمل بهذه الطريقة.
بعد وفاة الأمير زيد عادت الأميرة فخر النساء بصحبة ابنها الأمير رعد لتستقر في عمان. وأنشأت في عام 1976 معهد فخر النساء الملكي للفنون الجميلة. وتوجهت إليه بنشاطها وبرعاية فنانات فيه حتى وفاتها عام 1991، وعمرها تسعون عاما.
معرضها في "Tate Modern"، لندن، مستمر حتى 8 أكتوبر 2017. يستحق الزيارة إن كنت هناك. وتستحق حياتها الزيارة وفنها التقدير إن كنت على الإنترنت.