يعتقد البعض أن الشعبوية حركة سياسية جديدة الجذور، حديثة الأدوات، وينسون أن في منطقتنا من سبق الشعبويين الأوروبيين المعاصرين وطوعوا ثقافة الذعر في سبيل تحقيق مصالحهم. صحيح أن مصطلح الشعبوية ظهر في روسيا عام 1878، وتطور ليختزل في أنه استخدام للمشاعر غير العقلانية لدى الناس وتوجيهها ضد النخب.
والشعبوية ليست توجها يمينيا فقط بل إن الرئيس الفنزويلي السابق هوغو شافيز، وهو يساري قح، من أفضل من استخدمها للوصول الى السلطة.
في عالمنا العربي يمكننا أن نرى أن تنظيم الإخوان سبق أحزاب لوبان وهايدر ومن قبلهم بوتين وترامب في استخدام مشاعر الخوف والذعر لتحريك الجموع، كما استغلوا الاستياء من القصور التنموي لمحاولة الوصول إلى السلطة.
في مصر والعراق وسوريا وغير ذلك من الدول العربية كان لليساريين تصدر الساحات الثقافية، وبالطبع كانوا ينهلون من أنهر غربية تسيل بما لذ وطاب من معاني ومفردات الحرية بل وتطبيقاتها. وكانوا يتقدمون، رافعين شعار التقدم، وكانوا آنذاك يخوضون معارك مع الأنظمة.
في الجانب الأخر من النهر كان هناك الإسلامويون الذين يتحينون الفرص، كانوا يخسرون كل معركة فيها حديث عن الحرية، عن التقدم والتطور، وبذلوا كل جهدهم في محاولة جر العربة الوطنية للوراء.
بالطبع لم تهضم الشعوب العربية آنذاك وجبة اسلاموية تتحدث عن الماضي، إلا أن النكسات قدمت لهم فرصة ثمينة فقد فقدت الوجبة الوطنية والتقدمية رونقها بعد 1967.
هنا بدأت شعبوية إسلاموية ترى في ما حدث أنه بداية نهاية إلا إذا كانوا هم الحل. كانت انتهازية مقيتة، فوقع المواطن بين قومجي غبي وإخوانجي انتهازي.
لننس الماضي قليلا، ولننظـر في استراتيجيات الإخوان. لا يهمهم ما هي تفاصيل الملفات التي يتم الحوار حولها في وقتنا المعاصر، المهم لديهم هو اقتناص الأخطاء وتحويلها لسهام ضد الحكومات، في أسلوب يختلف عما تنص عليه الديمقراطية من رفض لاستخدام التحريض الأهوج فقط دون طرح الحلول عبر برامج واضحة لا مبهمة وغامضة.
حينما يستخدم السياسي الغربي خطابا شعبويا رافضا لـلـ”المؤسسة”، وملقيا عليها مسؤولية النتائج السيئة لاقتصاد بلاده كالبطالة وهروب رأس المال إلى الخارج وتراجع دور وطنه الدولي فهو لم يبتدع شيئا جديدا.
ففي عالمنا العربي يستعمل الإسلامويون هذا الخطاب بشكل يكاد أن يكون يوميا، ومع إفطارهم الصباحي والرمضاني يبحثون عن زاد شعبوي، وبدلا من المساهمة في العمل الوطني يعتبرون صراعهم هو ضد النخبة الحاكمة، رغم أن معظم قادتهم يفترض بهم أن يكونوا ضمن العمل الاجتماعي، ويسهمون في المسؤولية الاجتماعية بطرق مختلفة معظمها شعبوية. بل أن جلهم رجال أعمال، أو مستثمرين، وبعضهم يحصل على امتيازات ترضوية كالمؤلفة قلوبهم من بعض الأنظمة، ولا ننسى أن نذكّر بدور الإخوان وتحالفهم في وقت معين مع عجلة الخلافة التابعة لجمال مبارك في مصر وغيره من السابقين واللاحقين.
يعمل الشعبويون الإسلامويون وعلى رأسهم جماعات الإخوان بكل دأب على نشر الخوف، وبطرق مختلفة. فهم يؤمنون بأن خوف الشعوب سيسهم في هدم الثقة في القادة، وخوف بعض القادة من غضب الشعوب سيسهم في حصولهم على منافع.
وبما أن هدف الإسلامويين الوصول الى السلطة فإن إبعاد الشعوب عن القادة وتفكيك التلاحم الوطني، وخلق ذعر مستمر، سيؤدي إلى نشوء طبقة شعبية واقعة تحت تأثير مفردات ومصطلحات التخوين والإنهزامية، وتصوير أن المشاكل ليست مشاكل مجتمع بل هي مشاكل سلطة فقط، حين تتغير سيتم حل كل العقبات والأزمات. وبالطبع يفترض الإسلامويون أنهم هم البدلاء، لأنهم يملكون القاعدة التي تمكنهم.
يعتمد الشعبويون الغربيون على استخدام كراهية الأجانب والعنصرية في خطبهم، وهم هنا لا يختلفون عن الشعبويين الإخوان إلا في أن الإخوان "يتعنصرون" ضد الأخر من غير حزبهم، وخطابهم مليء بكره الأجنبي، وحتى الوطني الذي لا يواليهم ولا يقدم لهم نفعا في مسيرتهم السلطوية.
الإخواني الشعبوي وطنه حزبه، فهو لا يعترف بالجغرافيا ولا التاريخ سوى جغرافية طريق الوصول الى السلطة، وتاريخ حزبه الذي هو أهم من تاريخ الوطن.
المضحك أن الشعبويين الإخوان يصورون لنا العامة بأنهم مجرد جهلة يحتاجون لمن يوجههم للدين القويم، لمن يقودهم لما ينفعهم، وفي نفس الوقت، ويا للحزن، يتحدثون عن أن الشعب المسلم الواعي يختارهم.
في كل يوم يقيمون حملات التوعية المتأرجحة بين قبور تحفر لترهيب أطفال المدارس، ونشرات تبشر بصب الرصاص في أذان سامعي الموسيقى، وحديث عن أن التغريب خطر، وأنه يغزوا البيوت، وفي الوقت ذاته يتحدثون عن مجتمع إسلاموي بأغلبيته يعشقهم للثمالة.
يتناسى الإخوان أنهم لا يتمتعون سوى بروح التنظيم الموازي، وأنهم يملكون المجاميع المنتظمة في الوقت الذي تلتزم القوى الوطنية وهي الأغلبية بروح التعاون مع أنظمتها على الرغم من شكاواها، في ظل رأى عام يرى أن الاستقرار أهم من الدخول في دوامات الأحزاب المتغلبة وموازين القوى التي تعتمد على ما يريب الناس من استخدام للدين والنفعية وتقلب الهوى السياسي والتنافس الذي لا يقيم للأوطان قدر أهمية، ولنا في ليبيا والعراق واليمن وغيرها أمثلة لا تسر الناظرين.
يختلف الشعبوي الإخواني عن الشعبوي الغربي بأنه يسعى لحمل الشعب على أن يقدسه وفق استعماله للدين، بينما الغربي يسعى لتقديس الشعب طالما الشعب واقع تحت تأثير تخويفه وذعره.
ويستعمل الشعبوي الإخواني الدين لتخويف المواطن البسيط من عاقبة التمرد على أقواله وأفعاله لأنه بهذا يخالف الإسلام وطاعة العلماء، بينما أن الإخواني الشعبوي هو من يخرق هذه القاعدة في تخوينه رجال الدين الذين لا يتحزبون معه، ويجعلهم أعداء للإسلام، فهم جامية أو مرجئة ويستخرج من كتبه العفنة مصطلحات متخلفة تنبئ عن عقول حزبوية نفعية لا هم لها إلا مصادرة المشهد السياسي الديني.
يقوم الإسلاموي الإخواني على حفر القبور وقيادة أطفال المدارس إليها، وتوزيع نشرات عن ثعابين تتلوى داخل آذان سامعي الموسيقى، وكل هذا عبر دائرة العاملين الشعبويين الأنصار.
على مستوى متوسط، ينبري أعضاء الحركة الشعبوية الإخوانية على قيادة صنع حالة الذعر في الشارع عبر التشكيك في خطط التحول الوطني، وفي مشاريع الاستغناء عن النفط، وفي توفير الترفيه للمجتمع حتى لا يبحث عنه في الخارج، وإلى اعتبار أن قيادة المرأة للسيارة انتكاصاً عقدياً.
وفي الدائرة الأعلى، وهي دائرة القادة الشعبويين الإخوان، يتفرغ هؤلاء لعقد الصفقات مع القوى الأجنبية، مبشرين هيلاري كلنتون وغيرها من مغيبي السياسة الغربية، بأنهم هم سادة الشارع ومانعو الإرهاب وأنهم الحل، كما قال سيدهم حسن البنا وهو يقصد أن جماعته هي الحل وليس الإسلام كما صورت عبارته.
ومن المثير للسخرية أن الشعبويين الإخوان يثيرون الشعوب ضد الغرب بينما هم يتمسحون بنظريات الغرب السياسية، ويتفننون في استعمالها كالديمقراطية وحتمية صناديق الاقتراع والمساواة والتعددية، وهم من يرفض أي شيء سوى سلطتهم وأسبقيتهم وحاكميتهم، فما عدا ذلك فهي حاكمية جاهلية، كما نادى بذلك الشعبوي الإخواني سيد قطب.
وتمتلئ النصوص الشعبوية الإسلاموية بأن الغرب هو العدو الأوحد الملحد الذي يريد الانقضاض على الإسلام والمسلمين، بينما لا ننسى منظر التلاحم الإخواني الأميركي، والرعاية الغربية لهم حينما وصولوا الى السلطة.
أدلة كثيرة على الشعبوية الإخوانية لكن في النهاية يجب على المواطن العربي أن يتنبه إلى أن محاولات خلق الذعر والخوف داخل الرأي العام هو هدف إخواني شعبوي، لن ينجح طالما تلاحمت الصفوف الوطنية وقاومت بالعمل والعدالة والتسامح كل محاولات العبث بالأوطان لمصلحة جماعات إرهابية تستخدم مصطلحات وأساليب شعبوية فقط لتصل الى الحكم.
وقبل كل شيء أن تكون بوصلة كل مواطن ومسؤول الإخلاص لوطنه وتنميته ورفعته، لا الارتهان لأجندات خارجية.