ومعلوم هنا في واشنطن أنه وكالعادةً يكون مشروع قانون الدفاع السنوي منتجًا مشتركًا بين الحزبين مع ملاحظة أن المحادثات حول قانون تفويض الدفاع الوطني المالي للعام 2024 قد تكون أكثر تعقيدًا من المعتاد ويرجع ذلك إلى إضافة الجمهوريين في مجلس النواب العديد من الأحكام الحزبية من قبل تجمع الحرية اليميني إلى نسختهم من مشروع القانون. وأيضا وفي الوقت ذاته، تحتوي نسخة مجلس الشيوخ على العديد من التعديلات الخاصة بها والتي تتمتع بدعم الحزبين.

بالعودة إلى الأشهر القليلة الماضية نذكر أنه وفي شهر يوليو أقرَّ مجلس النواب بأغلبية 219 صوتًا مقابل 210 مشروع قانون (السياسة الدفاعية) الذي تبلغ قيمته 874 مليار دولار إلى حد كبير على أساس حزبي بعد انشقاق الديمقراطيين حول الأمر ساعة إضافة الجمهوريون تعديلات (تجمع الحرية).

ويُخصص مشروع قانون مجلس النواب مبلغ 886 مليار دولار لبرامج الدفاع الوطني بالإضافة إلى زيادة في رواتب أفراد الخدمة العسكرية بنسبة 5.2 بالمئة، وفقًا لـ(صحيفة حقائق) صادرة عن لجنة القوات المسلحة بمجلس النواب.

ويتضمن مشروع القانون أحكامًا لمواجهة نفوذ الصين وتحسين الاستعداد العسكري الشامل وقدرات الدفاع الصاروخي وتشجيع الابتكار التكنولوجي.

وفي وقت لاحق من شهر يوليو الماضي أيضًا، أقرَّ مجلس الشيوخ بأغلبية 86 صوتًا مقابل 11 مشروع قانون السياسة الدفاعية الذي تبلغ قيمته 886 مليار دولار، دون البنود المحافظة اجتماعيًا.

خلال نقاش هنا بجوار الكابيتول مع احد المشرعين قال لي إن هناك مجالات كبيرة من التداخل في كلا المشروعين وإن بعضها أثار معارضة من البيت الأبيض وأن هذه الأحكام تشمل شراء سفينة نقل برمائية وإضفاء الطابع المؤسسي على البرنامج النووي لصواريخ كروز التي يتم إطلاقها من البحر.

كما تتضمن البنود الأقل إثارة للجدل في كلا مشروعي القانون بندًا لتعميق التعاون في (مكافحة الفنتانيل) مع الجيش المكسيكي، بالإضافة إلى مطالبة البنتاغون بالتنسيق مع تايوان بشأن الأمن السيبراني.

أيضا يناقش الإعلام الداخلي في واشنطن قضايا في هذا الشأن مفادها بأنه لا زال يتعيَّن على اللجنة المشتركة من الحزبين مناقشة الأحكام المختلفة من كل مجلس في الوقت الذي تعمل فيه اللجان على صياغة مشروع قانون توافقي يمكن أن يمرره مجلس النواب والذي يسيطر عليه الجمهوريون ومجلس الشيوخ والذي يسيطر عليه الديمقراطيون.

اليوم أصبحت تلك الملفات منشورة في الصحافة الأميركية وكان من حظي الاطلاع على بعضها حيث أدركت من خلالها بعض الاختلافات الرئيسية التي سيحتاج المشرعون إلى حلها لتحقيق التوافق حول ذلك القانون، ومن تلك الاختلافات ما يلي:

أولا/- تعديلات ( تجمع الحرية): وذلك من أجل تأمين دعم تجمع الحرية لتمرير مشروع قانون مجلس النواب حيث صوَّت الجمهوريون لإضافة العديد من التعديلات التي من شأنها أن تلغي سياسة البنتاغون الخاصة بإجازات الإجهاض، وتقيد الرعاية الطبية للمتحولين جنسيًا، وتقضي على مبادرات التنوع العسكري، فضلا عن أن من شأنها منع وزارة الدفاع من تنفيذ (الأوامر التنفيذية السبعة) للرئيس جو بايدن بشأن تغير المناخ.

تجدر الإشارة هنا وفي هذه النقطة إلى أن  الديمقراطيين أشاروا إلى أن معارضتهم لهذه الإجراءات هي جزء من أسباب انضمامهم إلى العضو الجمهوري مات غايتز، في نجاحه بالإطاحة برئيس مجلس النواب السابق كيفن مكارثي حيث أن إزالة هذه التعديلات من شأنها أن تعيد الدعم الديمقراطي لما هو عادة تشريع يحظى بدعم الحزبين، ويبقى الانتظار هنا بشأن ما إذا كان الجمهوريون سيسمحون بالتصويت على مشروع قانون التسوية المقترح.

ثانيا/-(بند المفتش العام لأوكرانيا):ذلك أن هناك بندا في مشروع قانون مجلس النواب أضافه غايتز ينص على إنشاء منصب "مفتش عام مستقل" للإشراف على المساعدات الأميركية لأوكرانيا.

ويُعارض البيت الأبيض إنشاء مثل هذا المنصب، كما أن إدارة بايدن تقول دائما أنها في حاجة لمزيد من التمويل لمواصلة تسليح كييف.

وبغض النظر عن مشروع قانون الدفاع، فمن غير الواضح أيضًا ما إذا كان الكونغرس سيوافق على طلب بايدن المنفصل لمساعدة أوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار للسنة المالية القادمة.

ثالثا/- (تحالف أوكوس): حيث يتضمن مشروع قانون مجلس الشيوخ فقرتين أضافهما السيناتور الديمقراطي( بوب مينينديز) مرتبطتان بتنفيذ الاتفاقية الأمنية (أوكوس الثلاثية) لتقاسم الغواصات مع أستراليا وبريطانيا.

ويسمح أحد هذه التفويضات للولايات المتحدة بالبدء في تدريب موظفي القطاع الخاص الأسترالي على استخدام الغواصات التي تعمل بالطاقة النووية، بينما يسمح البند الآخر لوزارة الخارجية الأمريكية بتخفيف ضوابط التصدير على كانبيرا ولندن.

وأيضا يتردد هنا في واشنطن أن السيناتور الجمهوري( روغر ويكر) وهو أكبر جمهوري في لجنة القوات المسلحة، قام بمنع تفويضين رئيسيين آخرين بمشروع القانون: أحدهما من شأنه أن يسمح بنقل غواصات من طراز فيرجينيا إلى أستراليا، والآخر من شأنه أن يسمح لإدارة بايدن بقبول طلب أستراليا بتقديم مساهمة بقيمة 3 مليارات دولار في القاعدة الصناعية للغواصات الأميركية.

وقد تحدث (ويكر )بشكل إيجابي عن طلب بايدن 3.4 مليار دولار لتوسيع قدرة القاعدة الصناعية البحرية كجزء من حزمة الإنفاق التكميلي الدفاعي الأوسع.

وهنا يتعين الانتظار بشأن ما إذا كان سيُسمح بالتفويضين الأخيرين من "أوكوس" في مشروع قانون سياسة الدفاع النهائي.

رابعا/- موافقة مجلس الشيوخ على انسحاب الولايات المتحدة من حلف الناتو: فقد اعتمد أعضاء مجلس الشيوخ بأغلبية 65 صوتًا مقابل 28 تعديلًا قدَّمه السيناتور الديمقراطي، (تيم كين) والذي يتطلب موافقة مجلس الشيوخ في حال حاول الرئيس سحب الولايات المتحدة من حلف الناتو.

ونتذكر هنا أنه و في العام 2018، هدَّد الرئيس السابق دونالد ترامب -(وهو المرشح الأوفر حظا في الانتخابات التمهيدية الرئاسية للحزب الجمهوري)- بالانسحاب من حلف شمال الأطلسي، إذا لم يفِ حلفاء الولايات المتحدة بالتزاماتهم بإنفاق 2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على الدفاع.

خامسا/-(دعم صناعة الدفاع الأميركية): فقد وافق أعضاء مجلس الشيوخ بالإجماع على تعديل من السيناتور الديمقراطي (تامي بالدوين) يقضي بتصنيع 100 بالمئة من مكونات جميع سفن البحرية في الولايات المتحدة بحلول العام 2033. وسيسمح تعديل بالدوين كذلك لوزير الدفاع بالتلويح بهذه المتطلبات بموجب ظروف معينة.

سادسا/-(إعادة منصب كبير مسئولي الإدارة في وزارة الدفاع): فقد أضاف السيناتور الديمقراطي (جو مانشين) بندا يطالب فيه بإحياء منصب ( كبير مسؤولي الإدارة في البنتاغون)و الذي لم يدم طويلاً، وهو منصب مُكلف بإصلاح ممارسات الأعمال الدفاعية التي احتلت المرتبة الثالثة في وزارة الدفاع إلى أن ألغى الكونغرس هذا المنصب منذ ثلاث سنوات ولا تخفى معارضة البيت الأبيض لاستعادة هذا المنصب.

سابعا/- (مكتب تقييم التكلفة): فقد أدرج الجمهوريون في مجلس النواب بندًا في المشروع الخاص بهم يقضي بإلغاء مكتب تقييم التكاليف وتقييم البرامج التابع للبنتاغون ونقل مهامه إلى مكان آخر، مستشهدين بدور المكتب في قرار وزارة الدفاع بإيقاف مشتريات السفن البرمائية مؤقتًا.

ثامنا/-( مقر قيادة الفضاء):ويتضمن  بندًا مؤرخًا يهدف إلى إجبار البنتاغون على اتخاذ قرار بشأن الموقع النهائي لمقر قيادة الفضاء. ففي أغسطس الماضي، أعلنت إدارة بايدن أنها ترغب في وضع المقر الرئيسي في كولورادو مُلغية قرارًا سابقًا بتحديد موقعه في ألاباما أثناء ترأس العضو الجمهوري من ولاية ألاباما( مايك روغرز) للجنة القوات المسلحة بمجلس النواب. وبالتالي يمكنني القول أنه ربما يتضمن مشروع القانون النهائي شروطًا محدثة بشأن الموقع النهائي لقيادة الفضاء بعد نزاع شهير دام لسنوات.

وتبقى الأيام المقبلة حبلى بالنقاش حول هذا القانون شديد الأهمية في الداخل الأميركي.