آمل أن تصلك رسالتي هذه وأنت والعائلة الكريمة بأفضل حال
أحببت أن أهنئك بشهر رمضان المبارك
أعاده الله علينا جميعا ونحن في أفضل حال
أتمنى أن تكون أمورك بخير

طمئنّا عنك أيها الصديق النبيل

دمت بخير
هاني

ــــــــــــــــــــــــــــــ

إلى الإنسان الأنبل من بين كل من عرفنا الأعزّ هاني

أسعدتني تهنئتكم بحلول الشهر الفضيل، وأسعدنا أكثر أن تكونوا وأسرتكم بخير، لأننا في الآونة الأخيرة لم نتسقّط أخباركم إلاّ من العزيز عمر برغم الشوق إلى الحديث إلى خلّ أصيل وضعه إمام الحكمة أفلاطون رأساً للسعادة في دنيا يندر فيها وجود الصديق، فكيف بالأصالة في الصديق؟

كم تمنينا أن تزورونا في فردوسنا المستعاد (جنوب برشلونة) الذي كنتم السبب في استجارتنا به منذ ثلاث سنوات، ولم تخذلنا في شأنه وصيتكم، كما لم تخذلنا وصاياكم في أيّ أمرٍ سواه.
الأيام تُدبر، والعمر يتبدّد ولا نقتنص من باطل الأباطيل هذا سوى جلسة مع إنسان مثلكم نسرقها خلسةً من نهر الزمان الذي لا نعبره مرّتين، بل ولا نستطيع أن نعبره ولا مرة واحدة!
فإذا أعجزكم أن تمنّوا علينا بإطلالة ، فإن الله سيكون في عوننا إن شاء، فنعمل ما بالوسع لكي نذهب إلى محمد في عقر داره إذا لم يستجب الجبل فيذهب إلى محمد كما يقول النصارى عن نبيّنا الكريم!
الحديث ذو شجون والأمل في لقاء قريب، فلا نملك إلاّ أن نحييكم مرة أخرى ونحيّي أسرتكم النبيلة، آملين أن يجعل الله من سليلكم خير خلفٍ لأحسن سلف، ويُمهلكم ليترعرع في كنفكم إلى أن تنعموا برؤية أحفاده أيضاً لا أبنائه فقط.

مع الإكبار

إبراهيم


ــــــــــــــــــــــــــ


الصديق الأغلى والأعز.. جَمّ الأدب إبراهيم الكوني

أسعدتني رسالتك وردك على تهنئتي المتواضعة.
كنت أحادث بعض أصدقائي ومن بينهم عمر.. قلت لهم إني أنصب شَرَكَاً كبيراً لأستاذنا إبراهيم الكوني، فأنا، ودون أن يدري، أحتفظ بكل رسائله التي يكتبها طويلة كانت أم سطراً واحداً فقط. فأنا على يقين.. أنها ستكون ذات يوم في القريب، ركناً أساسياً يضيف الكثير إلى أدب المراسلات.
وأنا بقدر سعادتي بكل ما تكتب لي، بقدر إحساسي العميق الجميل والمتعب في آن.. إنّي ما زلت في بداية طريقي مع الحرف كلما قارنت ذلك بأحرفكم.
أما عن جنوب برشلونة، فقد أحسنت أنت أيها الصديق الاختيار، ولعلّني أحسنت فقط تأييدكم فيه، والفضل ينسب لأصحابه دوماً.
أسعدتني أخبار إقامتك الجميلة في الفردوس المفقود، لكني بتُّ اليوم أراه فردوساً يعود أكثر بهاءً بوجودكم فيه.
زيارتي لكم، وكما وعدتكم مراراً، لم تتم بسبب ثلاثة أشياء:
أولاً، انشغالي مع ولي العهد فارس، ثانياً، فوضويّتي الكبيرة، ثالثاً، فوضويّتي الكبيرة جداً. وليس ذلك بعذر يبعدني عن الأخلة والخليل الأقرب. لكني في المقابل ألتمس أمل زيارتك لنا أيضاً، فدبي، والعالم العربي، بكل روائحه العطنة والجميلة، يحمل شيئاً يجذبنا إليه أكثر من أوروبا، وفراديسها القائمة أو المفقودة.
مع هذا.. فهناك أملٌ كبيرٌ أن أكون في أصيلة هذا العام، ولست أخالها تبعد أكثر من ساعتين بالطائرة عن برشلونة، وكم يسعدني أن أكون هناك لنلتقي ولو ليومٍ واحد. ففي جعبتي كلمات تنتظر عظيم حضوركم لتقدم لكم فروض الطاعة وتنتظر الإذن بالإنطلاق، وهناك من الأفكار، ما أعجز عن تداوله وحدي كصدىً عميق لا يحمل روحاً إلا بحضور من يستطيع أن يُحيي الصدى ويعيده لأصله.

أشكرك صديقي الغالي الأعز على كل وقتك الثمين الذي تهبه لي لأسجّل كلماتك وأحفظها لأجيال قادمة ستكون في حاجةٍ عظيمةٍ لها ولا شك. آملاً، وكما أفعل دوماً، أن نلتقي في القريب.

سلامي الكبير لك وللعزيزة مريم

دمتما بخير
هاني

ـــــــــــــــــــــــ

الأعز هاني

عندما أخاطب إنساناً بالقول أنه الأنبل من بين مٓن عرفنا فلا أخلع عليه هبةً ولكنّي أعني ما أقول جيّداً، فليس عبثاً أن تُطلق لغة عبقرية كالعربية إسم أدب على الإبداع وعلى الأخلاق أيضاً لتكون اللغة الوحيدة في عالمنا الفائزة بهذا الشرف، كما أنتم الفائز في نيل هذا الشرف في واقعنا الأدبي العربي المُجبول باللا خُلُق، في حين تتوهّم رموزه الثقافية بأنها تحقق إبداعاً بلا أخلاق! هذا ما لامسته من خلال تجربة نصف قرن في العلاقة مع الأدباء العرب، سواءٌ في شقّهم المغترب أو في شقّهم المقيم. لقد كُنتُم بمسلككم نموذجاً إستثنائياً في هذا المجال، فالإنفتاح على الآخر والجُود المجّاني بأنفس الكنوز، وهو الحبّ، هو شيمتكم التي لن ينازعكم فيها أحد دون أن تتباهوا بها يوماً أيضاً.
لقد حمل عليك الأصدقاء، وأنا من ضمنهم، بضرورة خوض تجربة تاريخ السعودية الذي لن يكتبه سواكم، ولكني لن أنسى عبارة قلتموها لي لتبرير عزوفكم عن هذا العمل وهو أن ما يستهويكم هو الخيال، فما معنى الخيال هنا؟ الخيال هنا لن يكون خيالاً إذا لم يعن أنبل ما في الوجود وهو الحرية. أنت تريد أن تحلّق بعيداً بهذا الخيال وهذا حقك الذي نحاول أن نبخل به عليك، وقد دلّلتٓ بأجنحة هذا الخيال على انحيازك إلى الحقيقة في أعمالك الجريئة التي لم يُنصفها الواقع النقدي الحاضر إلاّ لأنه جائر ونفعي ولا يعترف بغير "البوبليك ريلايشنز" ديناً. ولكن الواقع في تقييم الأعمال الأدبية لم يكن يوماً حٓكٓماً، مادام النبي بلا كرامة في وطنه، وبلا كرامة في زمنه أيضاً. هذا الهوس بالخيال كما تسميه هو ما وهبكم تلك البراءة التي لن تكن في سجل الحكمة سوى الرصيد الشرعي للإنتماء إلى ملكوت الله، لا إلى حضيض الصفقة الارضيّة التي لم يُعرها شخصكم إهتماماً في يومٍ من الأيام.

أما بشأن الفوضى التي تتحدث عنها فهي تُدهشني، لأن عهدي بك أكثر إنضباطاً من كل من عرفت من الأدباء العرب: تستيقظ فجراً، وتتريّض مبكراً، لتقدم فروض الولاء والطاعة للطبيعة ، ثم تعود لتسلّم زمام أمرك لمعبودك الخيال الذي يرتاد بك الآفاق ويحقق لك طهارة الروح بالنصّ، قبل أن تخرج إلى الدنيا لقضاء حوائج لابدّ منها، فمن منّا يستطيع في الإنضباط أن يُجاريك ؟
من حقك أن تلقِّن الدرس بوهيميّي هذا الزمان أمثالي وأمثال عمر وخالد وكل من عرفتٓ أيها الفارس المتواضع.
سنكون في انتظار زيارتك بعد أصيلة، وسيسرّنا أن تقضي معنا لا يوماً واحداً، ولكن أسبوعاً على الأقل، لأن السباحة في بحر الفردوس المفقود ليست سياحة ولكنها إستشفاء.

إكباري

إبراهيم

ـــــــــــــــــــــــــــ

الصديق الأغلى والأعز إبراهيم
أديبنا ومعلّمنا
حفظه الله

أولاً، كل عام وأنتم بخير
ثانياً، أقدّم اعتذاري على تأخر ردي.. إنه تأكيدٌ على فوضويّتي وجهلي خاصة مع التكنولوجيا التي باتت تحولنا إلى أجهزة لا تحس ولا تسمع.
لي عذرٌ واحد فقط.. الإنشغال مع الأهل والأعياد.. والتأمل في أبعاد رواية أو مسرحية أعمل عليها.
واسمح لي استاذي الكبير أن أقبّل رأسك على تفهّمك وشرحك لمفهوم الخيال في العمل الروائي
إنه النسيج الحي فيها. إنه روحها.
عندما كنت طفلاً، كتبت قصة لأستاذ فصلي الدراسي وعمري آنذاك 11 عاما: طفلٌ في صحراء، يجد سمكة في واحة، فيحادثها وتحادثه بعد أن يستغرب وجودها في هذا المحيط من الرمال.
خيالٌ طفولي عوقبت عليه بصفعة وصفة حمار أطلقها علي معلمي مستهزئاً بما كتبت، إذ كيف يعقل أن تكون هناك سمكة في صحراء؟
من يستيطع أن يشرح لهذا المعلم ان الخيال حدوده أبعد من الصحراء والفضاء.. وعقله الحماري الضيق؟

أريد أن أكتب عن المجتمع السعودي وفق نصيحتك الغالية، وقد كتب عن هذا المجتمع الكثير.. لكن تبقى أشياء لا نهائية يمكن الكتابة عنها، وأقلّها تجربتي أنا في بيئة بدوية لا تعرف للأدب معنى سوى التغني بالمعلّقات التي أصبحت هي كل ارثنا وحضارتنا ولو كانت كذباً، لكن عقلي مليء بأشياء أخرى أريد أن أؤرخها لمن بعدي.
لا أعلم يا أستاذي وأخي العظيم.. لِمَ أشعر أن الوقت يداهمني وأني ما عدت أملك الكثير منه لأكتب كل ما أريد.
يقول نيكوس كازانتزاكيس عندما سألوه عن حياته وأدبه: أريد أن أموت فارغاً!
هو يريد أن يفرغ كل ما في رأسه من أفكارٍ وروايات.
فهل أستطيع أن أحقق ذلك أنا؟
لا أعلم
ما أعلمه أني أعمل على كتابة مسرحية، رغم أن كثيرين يقولون بأن الرواية أفضل، لكني لا أعلم لم أشعر أن المسرحية هي شيء سامٍ، كما كنت أنظر إليها دائما. المسرح.. هو الساحر العظيم، لنقل أن مسرحيتي هي رواية أيضاً إن شاء البعض أن ينظر إليها كذلك، يقوم بناؤها على لقاءٍ يعقد ذات يوم بين زعيمٍ وشعب، كلاهما لا يعرف الآخر..
يسأل الزعيم طفلاً مشرداً عن حياته إن كان سعيداً بها، فيقول الطفل: لا..
لا يعرف الزعيم معنى كلمة لا.. لأن أحداً لم يجرؤ طوال حياته أن يقولها له، فيطلب من رئيس وزراءه أن يشرح له المعنى. وأمام تلكؤ الوزير الأول وخوفه أن يشرح المعنى للزعيم، يمنحه هذا الأخير يومان ليعطيه الجواب، وفي هذين اليومين تدور أحداث الرواية/المسرحية.

أستاذي..
في رأسي خطوطٌ متقاطعة كثيرة، كنبال المتنببي، حتى أشعر نفسي تائهاً لا أعلم أين أبدأ، ناشري يطلب مني رواية كل عام، ويصرّ على أن أشارك بواحدة على الأقل في جائزة أو مسابقة، تارة لجائزة البوكر، وتارة لأفضل كتاب في الشارقة أو الهند والسند. وكم أعلنت لهم مراراً وتكراراً حتى أزعجوني وانزعجوا هم أيضاً مني. إنّي أرفض أي مشاركة في أي جائزة أدبية، لأن جوائز الأدب تقتل الأدب.. تنحره.. تضعه على مذبح لا إله له وتجز رأسه. الأدب أعظم من أن يكرّم بجائزة. ونظير موقفي الهزلي هذا.. بات الجميع يتجاهل ما أكتب على اعتبار أني لم افز ولو بجائزة واحدة!
لا ألوم الناس.. بل ألوم أولئك الذين يطلقون الجوائز بأسماء الملوك والأمراء لتكريم أديبٍ أو أديبة، وهم في الواقع يريدون أن يكرّموا من هي الجائزة باسمه على حساب الأديب والأدب. لقد طمست هذه الجوائز الهزلية أسماء عظيمة. بعد أن أصبح الناس، ومع تقلّص عافية اليوم، إلى أقل من 24 ساعة، لا يقرأون سوى ما يحصد جائزة ما ولو كانت من عبث.
لكني سأبقى على موقفي..
فأنا لا أكتب من أجل الجوائز.. ولا من أجل الناس.
أنا أكتب من أجل هاني
كي أرضيه
أنا أنانيٌّ جداً وسعيدٌ أني كذلك..
لأكون سعيداً وراضياً بما أكتب أنا ثم ليسعد من يقرأني أو يشقَى.. لا يهم.
لا أعرف ما قد تقول عن هذا أيها الأخ الأعز والأستاذ الأكرم، لكني مؤمنٌ بأنك تشاركني الرأي بأن الأدب الحقيقي هو ذاك الذي لم تدنّسه الجوائز والأضواء.

سأكون في أصيلة يوم 2 أغسطس، لكني لا أعلم إن كنت سأزور برشلونة، وكم أتمنى ذلك
لندع الأمر لحينه
فمن يدري..

قبلاتي لك
وسلامي العظيم للعزيزة مريم
وعذراً على الإطالة

اخوكم
هاني