فهو، باعتراف كل من عرفه، طيفٌ آلى على نفسه أن يسخّر نفسه لقضاء حوائج الأخيار، بل وكلّ الأغيار، ليعتنق هذا الخيار ديناً في كل تجربته، لينتدبه في حياته واجباً، إلى حدٍّ يثير الشكوك، بالنسبة لأناسٍ لم يعتدوا، في واقعٍ يهيمن عليه النفع، أن يتلقّوا هباتٍ روحيّة، أو دنيوية، بدون تسديد مكوس، لأن من أين لهم أن يخمّنوا وجود إنسانٍ، العطاء في وجوده طبيعةٌ ثانية؟

هذا الجود في أخلاقيات الرجل هو ما فاض على الواقع المكاني، فيعامل  الأمكنة، حيثما حلّ وطناً، يرى دوماً أنه مدينٌ له مسبقاً، وعليه أن يدفع ضريبة وجوده في رحابه؛ وهو ما لمسناه في مسلكه، عندما اختار «دبي» مقاماً، بل ربّما هي التي اختارته لتكون له وطناً، بديلاً لوطنه الأمّ، الذي يعترف الجميع أنه كان له السفير الأنبل منزلةً وخلقاً ووعياً وثقافةً وحبهاً، من بين كل سفراء السعودية في أرض الله الواسعة. وهي شهادة عبّر عنها في تجربته الحرفية، قبل أن يعبّر عنها بروحٍ فروسيّة، في تجربته الإبداعيّة.

فـ هاني بابتسار، هو درويش هذا الزمان الذي يجدُّ في طلب إنسانٍ، يستطيع أن يجود عليه بنصيبٍ من روحه، فكيف أقول لك وداعاً يا هاني، إذا كنت قد اختطفت نصيباً من روحي، ليكون لك زاداً في رحلتك المباغتة، دون أن تنسى أن تخلّف نصيباً من روحك، لتتركها وديعةً في روحي، لتكون لي عزاءً في وجودٍ، لا وجود فيه لا لأمانٍ، ولا لخلاص؟

 والبرهان هو هذا النموذج المبدئي من رسائله، التي تبادلناها طوال ما يقارب عقدين من الزمن، وسوف نواصل نشرها طردياً، لا كرونولوجيّاً:

القلمُ يئِنّ، كما راقك أن تقول؟!

الواقع أن القلم يجود بنبوءة، كما راقك أن تجود دوماً بعطيّة، لأنه مستعارٌ من طينة غيوب، وله الحقّ في أن يدلي بشهادته في حقّ صاحب القلم، الذي يهفو دوماً لأن يهاجر، لأنه، كلّه، ملفّقٌ من معدن مهاجرٍ هو هاني. وإذْ تشاء اليوم أن تسبقنا في المباراة، فأنت الأسعد حظّاً، لأنّك تفوز بقصب السّبق، لا لتتباهى، ولكن لتتنفّس الصعداء، لأنّك أدركت.. نهاية المطاف!

الأعز هاني 

أحييكم بمناسبة حلول العام الجديد، آملاً أن تكونوا وخليفتكم فارس بألف خير، سيّما في فردوسكم القديم الجديد، الذي لم يكن ليتجدد لولا شجاعتكم، لأن تغيير المكان لم يكن ليحدث لولا استحداث تغييرٍ في الإنسان، وهو بطولة، لأنه حرية، والاعظم شأنا من كونه حرية، هو حقيقته كاستعادة حرية، فهنيئاً لكم بهذا التحرير، وهنيئا لنا بفارس التحرير، الذي سيسعدنا أن نلتقيه قريباً في فردوسه المستعاد، لننعم معه بالحضور في هذا الفردوس (دبي) الذي اختاره لنا يوماً أرجوحة مقام.

وإلى لقاء قريب إن شاء الله 

[30.12.2022, 09:36] هاني نقشبندي:

الأعز والأنبل، أستاذي الكبير إبراهيم الكوني. أهنّيك أولاً بحلول العام الميلادي الجديد، أعاده الله عليك وعلى مريم وكافة أفراد العائلة وأنتم بأفضل حال. كما أهنىء نفسي على التواصل الدائم مع قامةٍ كبيرةٍ أنتم ملؤها، باتساع قلمٍ لا حدود لإبداعه. نعم، قد عدتُ إلى فردوسي القديم، لكنه فردوسٌ ناقص من اثنين هما الأقرب إلى نفسي، إبني فارس حفظه الله لي، وأنتم حفظكم الله لي ولعشاقكم. نعم... قد تحررت لكن وقعتُ أخيراً في عبودية جديدة، إنه العمل التلفزيوني الذي لستُ أعلم إلى أي مصيرٍ سيقودني. ترددت في قبول عرضٍ طرح أمامي، لا لشيء إلّا كي أنعم بحريّتي مع قلمي. لهذا، عندما قبلت العرض شعرت بأني خنت القلم. هل تراني فعلت؟ نعم، فعلت.. فالقلم لا يُحب يداً ترتجف، يداً تخاف من سطوة وظيفة تخسرها أو مال ينقطع عنك. هل تصدق لو قلت لك أني لست أجروء على النظر إلى قلمٍ مرميٍّ على قارعة طريق، أحس به يرمقني باستعلاء يستحقه وخذلانٍ أستحقه.

 أنتظر حضورك، فوحدك تفهم ما تعنيه حرية الأدب التي هي أسمى من حرية الجسد. وطن الانسان حيث يرتاح كما قال أرسطو، وأنا اقول ان الوطن هو صفحة، والقلم علم هذا الوطن.

 أنتظرك بشوق كبير. محبتي وعظيم تقديري لشخصكم النبيل، وسلام خاص لمريم، أله وموسى. 

[30.12.2022, 14:50 Ibrahim:

بقدر ما أسعدتني برسالتك المبدعة، بقدر ما أفزعتني بسبب موقفك من شكوى القلم، لأننا في هذا المقام كلنا في الهمّ شرق. فها نحن نسبقك إلى القيد الذي أوجع القلم، حيث استنزلني مقالي الأسبوعي بسكاي نيوز الساحة نفسها، التي كتبتم في حقها أنشودة الذمّ، لأغدو ضحية استنكار مريم اليومي، التي تحرضني على العودة للإرتماء في أحضان الرواية، ولكن ما يجب أن يشفع لنا ليس القُوت، ولكن وعينا بأن كل ما نقوم به إبداعٌ يكمّل بعضه بعضاً، لأنه تعميقٌ للموقف من الوجود إجمالاً في جنسٍ آخر يحتاج أيضاً إلى رؤية، وهي الرؤية التي لها القدرة على استعارة جناحين، لتحقق عملاً إبداعياً في يومٍ مّا، لم يكن ليتحقق لولا إعتناق ما نحسبه خيانةً، في حين أنه استبدالٌ وقتيّ للسروج، بدليل أننا لا نغترب إلا لنتجدد، ولا نصمت إلا لنتأمل، ولا نكفّ عن استخدام القلم إلا لنتجلَّى، فنصنع بالتجلّي مجد القلم.

الحديث ذو شجون، ولا ظمأ يروي من اغترابٍ إلا الحضور في بلاط الأنا الثانية وهو الصديق.

مع كل الإمتنان مني ومن مريم 

وإلى لقاء عاجل وليس بآجل ان شاء الله. 

[1.1, 2023., 09:34] هاني نقشبندي: 

لا قلم يئن بقادر على وصف ما يعانيه من ألم الوجود أو النفي مثلما وصفت يا صديقي وأستاذي. نعم... ننسى القلم قليلاً لنتجلى، لكن أليس حقا علينا وحق له أن لا نهجر، ولا نغدر؟ وهل تراه طريق مهجور إلى ابداع؟ ربما تقود المسالك الخاطئة الوعرة إلى هدف ما كان هدفاً... لكن هل نصله بسموٍّ أم انكسار؟ لست أدري.

نعم... لا ضمأ يروي من اغترابٍ إلّا حضور الذات أمام ذاتها لرفيقين يشتركان ألماً واحداً. بشوق كبير أنتظركم في دبي 

 الأعز هاني:

 مجرد وجودكم في «المشهد» إطلالةُ شعرٍ: حيويّة التقديم، وجدانية العرض، هيمنة رأس مال كل حوار، وهو: حضور الروح، بل حضور روح الإنسان السعيد، وهو الموقف المفقود عادةً في قنواتٍ، ذخيرتها الحرف الذي يُميت، لا الروح التي تُحيي. فطوبى لكم من فارسٍ حميم!

الحديث ذو شجون والأمل في لقاءٍ قريب.

[٢١/١ ١١:٣٠] هاني نقشبندي:

الأمل لا يملّ أستاذي وصديقي الأعز إبراهيم. ذخيرتنا في الحياة قلمٌ وصديق. وأحمد الله أن أنعم علي بهما في شخصكم الكريم. بشوقٍ أنتظر حضورك، وقد نثرت اسمك مع ورودٍ تترقّب حضورك بين الأصدقاء. الروح شمعة مضيئة، تتمايل وتثبت حيناً، فلا تعرف أي اتجاه ستكون إليه رقصتها السابقة. المؤكد أنها مضيئة، وكلما ازداد وهجها، اقترب عتمها... وما العتم سوى ترقّب خلقٍ جديد، لضوءٍ جديد، لا يقدح شعلته سوى صديقٌ لا يتكرر،  حيثما أشارت البوصلة..

 [. ٢٠٢٣.٥/٢ ١٣:٤٤] Ibrahim:

العزيز هاني

أخيراً في رحاب القلب الذي ينبض بهاني، ليكون للأخيار في رحاب هذا القلب دليلاً.

لقد وصلنا منذ أيام، متعباً من رحالات سابقة، آخرها كانت تونس، للحلول في رحاب العائلة، ولمّا كان الحلول في فردوس الأنا الثانية (الصديق) عيداً، وأيُّ عيد، فذلك يستدعي لياقة بدنية وعافية روحية، للإحتفاء بطقس العيد كمهلة لالتقاط الأنفاس.

سأتصل بكم في اليومين القادمين لاستكمال مراسم الاستحقاق.

مع كل الشوق 

إبراهيم

[ ٢٠٢٣.٥/٢ ١٣:٤٧] هاني نقشبندي:

أستاذي وصديقي الأعز إبراهيم، ما أسعدني بحضوركم. لم أصدّق الأمر عندما أخبرني العزيز موسى بوصولكم الميمون. كتابٌ تائهة معانيه، يجتمع بوجودكم النص بالنص وبشخص النص نفسه. ارتح يا صديقي، وفي انتظار لقياكم بشوق اللاجىء إلى مأواه. كل الحب والاكبار لشخصكم السامي.