وبغض النظر عن نجاح المحاولة الجمهوريين أو فشلها مثلما فشلت محاولة الديموقراطيين عزل الئريس السابق دونالج ترامب فالأهم هو تأثير "الضوضاء الإعلامية" على الانتخابات العام القادم.  

فالحزب الجمهوري يريد الاستفادة من استمرار الحديث عن فساد هنتر بايدن ابن الرئيس، حتى لو لم تتمكن التحقيقات من اثبات تورط والده في فساده. كما أن تركيز الأضواء على مناقشات العزل في الكونجرس سيفتح الباب أمام التشكيك في قدرة الرئيس على القيام بمهام مكتبه الرئاسي في ظل مؤشرات على تدهور صحته تتبدى في تصرفاته العلنية بشكل متكرر.

أما الحزب الديموقراطي فيخشى من تأثير تلك التغطية السلبية على فرص فوز الرئيس الحالي بفترة رئاسية ثانية في انتخابات خريف العام القادم حتى لو لم يتمكن منافسيهم من عزل بايدن. فالأشهر التي سيمتد فيها تحقيق الكونجرس مخصومة من الدعاية الانتخابية، خاصة وأن الرئيس بايدن يبدو المرشح المؤكد للحزب الديموقراطي حتى الآن. ومن الواضح ايضا، حسب استطلاعات آراء اعضاء الحزب الجمهوري في الانتخابات التمهيدية حتى الآن أن الرئيس السابق دونالد ترامب هو الأوفر حظان لأن يكون مرشح الجمهوريين للرئاسة.

سيكون تركيز التغطية على الكونجرس وتحقيقات العزل، سواء وصل الأمر إلى حد التصويت على بدء اجراءات العزل أم لا، فترة لنشاط الخبراء الذين سيدلون بآرائهم خاصة فيما يتعلق باحتمالات نتائج انتخابات العام القادم. واتصور أن نتيجة كل هذا الانشاء الخطابي لن تختلف كثيرا عن توقعات المحللين السابقة التي اثبت الواقع العملي فيما بعد بعدها عن الحقيقة.

حين بدأ الديموقراطيون اجراءات عزل ترامب قبل نحو أربع سنوات، توقع الخبراء ألا ينال ذلك من فرص إعادة انتخابه رئيسا في 2020. ومع أنه لم يفز بالانتخابات فعلا إلا أنه حصل على نصف أصوات الأميركيين تقريبا، بل ربما أفادته محاولة العزل الفاشلة بأن عززت قناعة أنصاره بأنها كانت مجرد مكيدة سياسية من خصومه وأنه لم يفعل شيئا خطأ.

أما تهم الفساد التي يواجهها نجل بايدن، فقد كانت الاتهامات لترامب بالفساد أكثر منها والنتيجة أنها جعلته "بطلا" في نظر أنصاره (وهم مرة أخرى نصف الأميركيين وليسوا قلة بسيطة) لمهارته في الاتفاف على النظم وتفادي دفع ضرائب وغيره.

وبالتالي يمكن القول، من الآن، أن كل التحليلات وتوقعات من يسمون الخبراء بشأن تأثير محاولة عزل الرئيس على الانتخابات القادمة ستكون مبالغا فيها ولا يعول عليها في فهم توجهات الناخبين. لا نقول انها لن تؤثر، لكن ذلك التاثير لن يكون بالقدر الذي سنقرأه في التحليلات والتعليقات ونسمعه من الخبراء في الفترة القادمة.   

ربما كل ما سيفعله "مهرجان" تحقيقات عزل الرئيس هو حرف الأنظار عن القضايا التي تهم الناخب الأميركي فعلا، وبالتالي إضعاف محاولة فريق الرئيس بايدن الانتخابي التركيز على انجازات الادارة في الاقتصاد. فذلك هو حجر الأساس في حملة الرئيس، أو أي مرشح عن الديموقراطيين، لانتخابات الئراسة في نوفمبر العام القادم. لكن هل يحتاج الجمهوريون إلى كل هذه الضوضاء للتشويش على الدعاية الاقتصادية للإدارة الحالية؟ ربما لا فعلا.

في استطلاع للرأي لشبكة سي إن إن الشهر الماضي اعتبر أكثر من نصف الأميركيين (نسبة 51 في المئة) أن الاقتصاد الأميركي في تراجع وكانت توقعاتهم للمستقبل سلبية جدا. وتلك نتيجة سلبية جدا لإدارة الرئيس بايدن التي أنفقت عدة تريليونات عبر برامج تحفيز للاقتصاد ودعم نقدي مباشر للمواطنين في فترة وباء كورونا. وفي الأسبوع الماضي، أظهرت نتائج استطلاع رأي لشبكة سي إن إن أيضا أن أقل من ربع الأميركيين (نسبة 24 في المئة) يرون أن الأداء الاقتصادي لإدارة الرئيس جو بايدن جيد حتى الآن، بينما رأى أكثر من نصف من شملهم الاستطلاع (نسبة 58 في المئة) أن الاقتصادي في وضع سيء ويسير نحو الأسوأ.

على رغم ما يبدو من مؤشرات الاقتصاد الكلي الايجابية من نمو اكبر اقتصاد في العالم بشكل معقول وبدء تراجع الارتفاع في معدلات التضخم وتوسع النشاط الذي يسمح بمزيد من التوظيف وقوة سوق العمل، إلا أن المواطن الأميركي يشعر بزيادة وطأة ارتفاع تكاليف المعيشة وتراجع القيمة الحقيقية للدخل. وذلك ما يصوت على أساسه الأميركيون في الانتخابات، مثلهم مثل أغلب الشعوب في معظم الدول: ما يمس معيشتهم وحياتهم اليومية.

فالناخب في أغلب الديموقراطيات الغربية لا يهتم كثيرا بالسياسة الخارجية ولا بالشعارات السياسة ابلراقة بشأن كثير من القضايا، إلا فقط ما يتعلق بتحسين الخدمات المحلية وقدرة الأسر على توفير احتياجاتها اليومية بشكل أفضل. وذلك هو العامل الأهم في تحديد توجهات الناخبين الأميركيين في العام القادم، وليس ما سيقوله الخبراء عن تفاصيل عملية عزل الرئيس في الكونجرس.

من أحدث البيانات التي ستجعل مهمة فريق الرئيس بايدن الانتخابي في وضع حرج هي ما صدر عن مكتب الاخحصاء الأميركي هذا الأسبوع من تضاعف أعداد الأميركيين الذين هبطوا تحت مستوى خط الفقر العام الماضي. وذلك نتيجة توقف أغلب برامج التحفيز الاقتصادي والدعم النقدي للأسر التي طرحتها الحكومة في عام 2021 لتفادي الشلل في الاقتصاد بسبب اغلاقات وباء كورونا. وخلال الأشهر المتبقية على الانتخابات سيجد ملايين من الاميركيين انفسهم بدون تغطية تأمين صحي، وستواصل الدخول التراجع في قيمتها الحقيقية. وذلك ما سينال من فرص بايدن لإعادة انتخابه.