في الوقت ذاته، يصل نائب الرئيس التنفيذي لـ"نتفليكس" إلى كوريا الجنوبية لاستثمار 2.5 مليار دولار في إنتاجها الفني، وتشتري شركة "نورث رود" الأميركية ستوديوهات "كارغا سفن" المنتجة لأعمال تركية.

تجددت الانتفاضة النقابية في أوساط كتّاب السيناريو الأميركيين في السنة الحالية، بعد إضرابهم الأشهر إبان الأزمة المالية العالمية في 2008، الذي تسبب فيه أساسا آنذاك اعتماد الستوديوهات السينمائية والتلفزيونية على استثمارات متنوعة انهارت لارتباطاتها المباشرة وغير المباشرة باستثمارات الرهن العقاري الفاشلة.

الذي استجد بعد 15 سنة من أزمتهم الأولى، خليط من شح تعويضات الكتّاب عن الأعمال المعروضة أو معادة العرض في خدمات البث الرقمي، ونصيبهم من حقوق إعادة البث في شبكات القنوات والمنصات ما بعد العرض الأول، وتأمين نتاجهم الفكري البشري ضد عبث أو تعديلات برامج الذكاء الاصطناعي الصاعدة.

تعاني أوساط المساهمين ومجالس الإدارات والتنفيذيين في الولايات المتحدة عقدة مزمنة سببها العمل النقابي إبان المد السوفييتي الأحمر، وأيضا مع مسيرة إنجازات حركات حقوق العمال، وكان التملص منها للحفاظ على رواج وربحية المنتجات والخدمات الأميركية هو اللجوء إلى الخزانات البشرية وراء البحار. كما شهدت الأوساط اللوجستية في السنوات القليلة الماضية إضرابات أدت إلى الاستعاضة التدريجية عن عمال المستودعات بالروبوت، بعد أن عانى موظفوها من حمى إغلاقات جائحة فيروس كورونا مثل المستجيبين الأوائل نظرا لثقل الاعتماد عليهم في مناولة وإيصال البضائع الأساسية والمواد الضرورية.

كتّاب السيناريو الأميركيون، أصحاب البديهة الحاضرة والمخيلة الواسعة والمتابعة الحثيثة للشؤون العامة، لم تغب عنهم هذه العوامل التي يقبل بعضها الإسقاط على مطالبهم بإصلاح أوضاعهم غير المزدهرة بما يكفي أساسا، أما المنتجون وتنفيذيو المنصات الرقمية فيبدو أن ذهنهم قد تفتق عن حيلة اللجوء إلى عولمة الإنتاج الفني والتواجد في أسواق أخرى، واحتمال دبلجة أعمالها مستقبلا لعرضها في الولايات المتحدة وسائر الأسواق دون المرور عبر بوابة نقابة الكتّاب، وإخضاعهم للأمر الواقع.

في 20 يونيو الجاري، سيجتمع في سيئول نائب الرئيس التنفيذي لشبكة "نتفليكس" تيد ساراندوس، مع رئيس الوزراء الكوري الجنوبي هان داك سو، مواصلة للقاء أول جمعهم في أبريل الماضي في واشنطن، لإتمام ترتيبات الاستثمار الملياري في موجة تحالف الثقافة الشعبية الكورية مع الثقافة الشعبية الأميركية، وهو تحالف له أبعاد تعبوية تسند للتحالف الجيوسياسي القائم منذ الحرب الكورية في خمسينيات القرن الماضي والموقف المزمن من بيونغ يانغ ومعها بكين.

فقد صرّح ساراندوس أن من ضمن ما يتطلع إلى تحقيقه "أن تعمل الشركة لاكتشاف مخرجين وممثلين وكتّابا جددا في كوريا الجنوبية"، والمواهب الجديدة المبدعة طيعة ومفيدة.

أما بيتر تشرنين مالك "نورث رود"، فهو رئيس سابق للمجموعة الإعلامية الضخمة "نيوز كورب" المملوكة لروبرت مردوخ، والمالكة لشبكة "فوكس" الإخبارية وستوديوهاتها السينمائية الشهيرة، وقد تابع نشأة ستوديوهات "كارغا سفن" في أميركا قبل انتقالها لإنتاج أعمال تركية، حيث تقف وراء عناوين مثل "صعود الإمبراطوريات: عثمان" و"منتصف الليل في قصر بيرا"، وعلم رواج الأعمال التركية في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ورأى نجاحها مقدمة تعكس بدايات نجاحاته، التي توجها بأعمال ضخمة، مثل ثلاثية "كوكب القردة" و"فورد ضد فيراري". تشرنين لديه أيضاً استثمارات بمئات الملايين في منصات هندية مثل Endemol وOML منذ عقد كامل، وهو منتج ناجح بقدر كونه تنفيذي متمكن ومتيقظ للأخبار التي ترأس أحد أقطاب صناعتها.

هذا الجهد الاستثماري الخارجي للإنتاج الفني الأميركي هدفه أن يوطّن ويؤقلم تسويق الآراء والمواقف السياسية والثقافية والأخلاقية في أطرها الثقافية المؤصلة والمهجنة، والرأي العام إذا أعجب بمفهوم تبناه ولو جزئيا، وفي ذلك ما يكفي لقبول أو رفض موقف سياسية بعينها، فالحذر واجب، والإنتاج الفني والثقافي المضاد ضروري، فهل من منصات وستوديوهات إقليمية تقود الحراك المضاد؟