يسود التلويح بالفوضى مع لعبة قاسية لعض الأصابع بين أطراف منظومة الحكم في لبنان، من جهة، وبين المحور المتحكم بالسلطة والمجتمع الدولي، وتحديدا الولايات المتحدة، من جهة أخرى.
وهذا التلويح يدخل في خانة "المضحك/المبكي"، وتحديدا إذا ما ارتبط برفع سقوف التهديد، كما شهدنا الأسبوع الماضي.
وكأن لبنان آمن حر مستقل ومستقر، حتى يخاف اللبنانيون من الفوضى.. أو هل بقي ما يخيف اللبنانيين أكثر مما هم فيه؟ هم يترقبون مزيدا من الانهيارات على الصعد المعيشية والأمنية، إذ يبدو واضحا ان البلاد تنزلق بسرعة نحو متاهات بالغة الخطورة في ظل انهيار كل ضوابط التحكم بالأزمات.
ومع هذا لا بد من الإقرار بأن كل الهستيريا التي ينم عنها التهديد والتصعيد مع انقلابات في التحالفات بين رفاق الصف الواحد، وكأننا في يوم الحشر، إنما تشي إما بالفرج أو بالانفجار الكبير، التي سيدفع الجميع إلى صياغة التسوية.
هل تعني هذه المعادلة أننا وصلنا إلى عنق الزجاجة؟
قبل البحث في هذه المرحلة، لا بأس بالتلفت نحو ما يحصل حول لبنان، وسيؤثر على وضعه تأثيرا مباشرا أو غير مباشر.
بداية، لم يمر الزلزال على سوريا كما تمر الكوارث المشابهة على الدول. ويبدو أنه سيشكَّل محطة تتجاوز التداعيات الإنسانية إلى نقلة سياسية عربية وإقليمية مرتقبة للنظام باتجاه إعادة ترسيم خريطة العلاقات مع محيطه العربي.
من جهة ثانية، لا بد من القراءة المتأنية لرفْع القيود جزئياً عن ميناء الحديدة ومطار صنعاء تنفيذاً لتفاهمات مسقط، مقابل تخفيف صنعاء القيود، والسماح باستئناف تصدير النفط من الموانئ الجنوبية، مع ربط عائدات النفط بصرف مرتبات الموظفين اليمنيين.
وأيضا، لا بد من ملاحظة مواقف رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني، الذي أتت به القوى الموالية لإيران، وهو ينفتح على المجتمع الدولي ويدعو الاتحاد الأوروبي إلى دعم حكومته في مكافحة الفساد، كما يدعو الشرطة الدولية "الإنتربول" إلى تسهيل استرداد المطلوبين، ويرفع التنسيق مع واشنطن الى مستوى غير مسبوق.
كذلك يفترض التوقف عند التصعيد الإسرائيلي تجاه إيران، مع الموقف الدولي الشاجب لطهران، أن لجهة سياساتها القمعية تجاه شعبها، أو لجهة سلاحها النووي، أو لجهة تدخلها لمصلحة روسيا ضد أوكرانيا في الحرب الدائرة بين الطرفين، وتداعيات هذا التدخل على أوروبا والولايات المتحدة.
ومع هذه التغييرات التي تحصل حولنا، لا يمكن تجاهل ما يحصل عندنا، سواء لجهة تسريب معلومات عن فرض عقوبات أميركية على حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، ومن ثم نفي المعلومات بعد أن وصلت الرسالة إلى حيث يجب، مع تزامنها وقرارات الاجتماع الخماسي الباريسي بشأن لبنان، وما تلاه من تبليغات تولاها سفراء هذه الدول، والتي تضمنت ضرورة مسارعة المسؤولين اللبنانيين إلى القيام بواجباتهم الدستورية، لجهة انتخاب رئيس للجمهورية وتشكيل حكومة قادرة على البدء بالإصلاحات، وإلا عزل لبنان وعدم التعامل معه.
وبين تطورات الداخل والخارج، نعود إلى السؤال: هل وصلنا إلى عنق الزجاجة؟؟
وإذا لم نصل بعد، ما الذي ينتظرنا في المدى المنظور؟؟
قد يصعب التكهن، ومع هذا قد يصح استخلاص بعض المعطيات المتعلقة برفع سقف التهديد، فهي تشير إلى وصول مشروع التسوية إلى عملية شد حبال بين خيارات أصبحت شبه واضحة، ما دفع المحور المتحكم بلبنان إلى استدراج عروض يهدف إلى عقد الصفقات المثمرة التي تسلم مقاليد البلد له، لأنه وحده يملك القدرة على التهديد، ولا تستوي صفقة من دونه، حتى لو زلزلت الأرض كل زلازلها السياسية والاقتصادية والطبيعية.