واللافت أن مباحثات قطر انفصلت عن مفاوضات أوسع نطاقا بوساطة الاتحاد الأوروبي في فيينا بين إيران والقوى الكبرى، الأمر الذي يؤكد بأن الموجه الرئيسي الغربي للمفاوضات حول الملف النووي الايراني هي أميركا في المقام الأول.

ورغم انطلاقة مباحثات غير مباشرة أخيرا بين أميركا وإيران لإعادة إنتاج الاتفاق النووي، ثمة مخاوف حقيقية من فشلها، بسبب ارتفاع وتيرة الضغوط والشروط الأميركية، في ظل الحديث عن انتهاك إيران بشكل قوي للقيود المفروضة عليها حسب الاتفاق النووي لعام 2015.

وقد يعزز فشل المباحثات في الدوحة مجددا تمسك الطرفين الأميركي والإيراني بشروطهما، حيث تؤكد إيران على أولوية رفع العقوبات الاقتصادية التي فرضتها عليها واشنطن، والحصول على ضمانات بعدم تكرار الانسحاب الأميركي، وتركز إدارة بايدن على أهمية عودة إيران إلى احترام كامل لالتزاماتها بموجب الاتفاق خلال عام 2015.

وفي المقابل يؤكد القادة الإسرائيليون بأن الخيارات متاحة أمام إسرائيل للتعامل مع الخطر الذي يمثله البرنامج النووي الإيراني.

كل تلك الهواجس تأخذها إدارة بايدن على محمل الجد، لتزيد من ضغوطها لإخضاع طهران في نهاية المطاف، وهذا بدوره لن يلقى آذانا صاغية عند الإيرانيين في ظل تباهيهم بقوتهم العسكرية، الأمر الذي يشير إلى احتمال فشل المباحثات بين واشنطن وطهران، والعودة الى حروب إعلامية ودبلوماسية.

وفي هذا السياق كتب كل من والي نصر، وهو أستاذ الشؤون الدولية ودراسات الشرق الأوسط بجامعة جونز هوبكنز، وماريا فانتابي، وهي مستشارة خاصة لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا في مركز الحوار الإنساني، مقالا نشرته مجلة "فورين أفيرز" قالا في مستهله إن زيارة الرئيس جو بايدن في يوليو إلى الشرق الأوسط تأتي في لحظة حساسة، حيث هناك محاولة أخيرة جارية لإحياء المحادثات المتوقفة بين الولايات المتحدة وإيران بشأن استئناف خطة العمل الشاملة المشتركة.

لذلك تقول التحليلات إنه في حال توقف المباحثات الأميركية الإيرانية حول الملف النووي، تبدو واشنطن مستعدة لتبني نهج إسرائيل الحالي لاحتواء إيران، وهذا يستلزم زيادة تشديد الخناق الاقتصادي حول عنق طهران من خلال إجبارها على الخروج من سوق النفط، ودعم تل أبيب في تنفيذ هجمات داخل إيران وفي جهودها لنسج تحالف مناهض.

كذلك أعدت إديث ليدرر تقريرا نشرته صحيفة "لوس أنجلوس تايمز" تحت عنوان "إيران مستعدة لمحادثات جديدة مع الولايات المتحدة بشأن الاتفاق النووي"، أشارت في مستهله إلى ما قالته إيران عن أنها مستعدة لإجراء محادثات جديدة غير مباشرة مع الولايات المتحدة للتغلب على العقبات الأخيرة لإحياء اتفاقها النووي الممزق لعام 2015 مع القوى الكبرى، وسط أزمة متنامية بشأن البرنامج النووي للبلاد.

وقال سفير إيران لدى الأمم المتحدة، مجيد تخت رافانتشي، لمجلس الأمن التابع للأمم المتحدة إن: "الكرة في ملعب الولايات المتحدة، وإذا تصرفت الولايات المتحدة بشكل واقعي وأظهرت نيتها الجادة في تنفيذ التزاماتها، فإن الاتفاق لن يكون بعيد المنال". 

وكتب دانيال لاريسون مقالا نشره موقع ريسبونسيبل ستيتكرافت الإلكتروني بعنوان "فشل جولة أخرى من المحادثات بينما يبدو أن اتفاق إيران النووي يتلاشى"، استهله قائلا إن المحادثات، التي توسط فيها الاتحاد الأوروبي واستضافتها قطر، محاولة للتحرك نحو الاستئناف الكامل لخطة العمل الشاملة المشتركة، التي يبدو مستقبلها قاتما الآن. وكانت حقيقة حدوثها على الإطلاق شهادة على جهود الممثل الأعلى للاتحاد الأوروبي، جوزيب بوريل، الذي سافر إلى طهران في مطلع الأسبوع لتمهيد الطريق لاجتماع الدوحة. وأعرب مبعوث الاتحاد الأوروبي الوسيط، إنريكي مورا، عن خيبة أمله من النتيجة وعزمه على المضي قدما، قائلا: "سنواصل العمل بإلحاح أكبر لإعادة اتفاق هام لمنع الانتشار وللاستقرار الإقليمي إلى المسار الصحيح".

ختاما، في اعتقادي، يجب أن تتبنى واشنطن استراتيجية مختلفة تهدف إلى تجنب الصراع من خلال الجمع بين الأمن الإقليمي المعزز وتشجيع العلاقات الدبلوماسية القوية بين إيران والدول العربية والتي بمقدورها أن تشجع طهران وتل أبيب على ف عن الاستفزازات المحفوفة بالمخاطر وإبقاء حرب الظل الجارية بينهما تحت السيطرة.