هناك مقدمات واضحة على أن كثيرا من النقاط الساخنة ستتراجع سخونتها لأسباب منطقية واضحة. ستنحى عوامل الصدام لصالح تفاهمات و"حلول وسط" توفر لك دولة في المنطقة الفرصة للتركيز على الداخل أكثر من الخارج. ولعل من أهم العوامل التي تؤشر على ذلك ما يبدو من تراجع واضح لدور تنظيم الإخوان الإرهابي في الدول التي نشط فيها سابقا. صحيح أن التنظيم لم ينته تماما، وما زال خطره نهائيا، لكن ما تلقاه من ضربات جعلته أقل قدرة على إثارة القلاقل ونشر الخراب.

بدأ ذلك بوضوح بفقده مكاسبه في مصر عام 2013، وتراجع قدرته على التأثير في الأردن والآن شبه انحساره في تونس. كما أن جهود المصالحة والتسوية في ليبيا تعني تحجيمه والحد من تأثير ميليشياته هناك.

ومنذ مطلع العام الماضي فقد التنظيم الأكثر خطورة على أمن واستقرار المنطقة زخم الدعم مع المصالحة الخليجية التي قاربت ما بين مواقف دول مجلس التعاون الخليجي من التنظيم واشتقاقاته. حتى وإن لم تقض المصالحة على بعض التباين في الرؤى لكن الحد الأدنى من التفاهم يعني فقدان تنظيم الإخوان لشريان دعم قوي ومهم. ولعلنا نلحظ هذا التغير مثلا في توجه تركيا في الأشهر الأخيرة وكيف أن ذلك أثر بشدة على وضع التنظيم الدولي للإخوان بحيث أنه لم يستطع دعم إخوان تونس في مواجهة الدولة والشعب التونسي.

إضافة إلى تراجع خطر تنظيم الإخوان نلحظ انفراجا فيما يتعلق بالعامل الآخر المسبب للاضطراب والصراعات في المنطقة، وهو إيران. صحيح أنه لا ينتظر أن يتخلى قادتها فجأة وبشكل حاسم عن مطامعهم الاقليمية، لكن الواضح أن تغيرا مهما يحدث ويصب في اتجاه "التسوية" ما يعزز توقع أن يكون العام الحالي عام "حلول وسط".

فاحتمال إعادة إحياء الاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى كبير، ليس فقط لرغبة الإدارة الأميركية الحالية في الغاء قرار سابقتها بالانسحاب من الاتفاق عام 2018 ولكن لأن إيران بالفعل أكثر استعدادا الآن لتقديم تنازلات لتخفيف عبء العقوبات الدولية التي جعلت الإيرانيين في وضع اقتصادي داخلي غير مسبوق. لذا، أخذت الإدارة الأميركية والقوى الأوروبية المشاركة في الاتفاق مطالب دول الخليج ف الاعتبار بضرورة ألا يقتصر الاتفاق الجديد على برنامج إيران النووي فقط وإنما يشمل أيضا برامجها الصاروخية ودعمها للميليشيات الموالية لها في المنطقة من العراق ولبنان إلى اليمن.

وبغض النظر عن التصريحات الانشائية، فالإيرانيون الآن أكثر استعدادا من اي وقت مضى في السنوات الأخيرة للتسوية حتى يمكنهم الخروج من أزمة طاحنة تهدد المجتمع والدولة. ففي زيارته لمدينة قم قبل أسبوعين، سمع الرئيس الإيراني الجديد ابراهيم رئيسي من "آيات الله" في المدينة ما يدل على ذلك. ويمثل رجال الدين هؤلاء سند السلطة الأعلى في إيران المجسدة في شخص المرشد خامنئي، وبالتالي ينظر إلى ما قالوه للرئيس بجدية. فقد طالبوا رئيسي بضرورة "الحوار مع العالم وإنهاء عزلة البلاد"، كما طالبوه بحلول عاجلة وقوية لأزمة البلاد الاقتصادية التي تخنق المواطنين.

وكلا الأمرين مرتبط مباشرة بعودة الالتزام بالاتفاق النووي والتوجه نحو مصالحة مع دول الجوار. حتى لو كان المقابل هو "بداية تخفيف" للعقوبات، فعلى الأقل سيشكل ذلك متنفسا للإيرانيين الذين لا يمكن تصور ما وصلت إليه أوضاعهم المعيشية من قسوة.

صحيح أننا نشهد مزيدا من السخونة في الصراع العسكري في اليمن، لكن ذلك أيضا يؤشر على مقدمة قبول الميليشيات الحوثية المولية لإيران بالحل السياسي الذي يطرحه تحالف دعم الشرعية بقيادة السعودية. فقد كان اعتماد التمرد الحوثي في رفض كل مبادرات التسوية السلمية وإنهاء الحرب هو ما يرون أنهم قادرون عليه من تحقيق تقدم عسكري بدعم من إيران. لكن الآن، ومع الانتصارات التي تحققها الشرعية من شبوة إلى غيرها، ومع حرص إيران على انهاء عزلتها وتخفيف العقوبات الدولية عليها، فالأرجح أن الصلف الحوثي ينكسر على أرض المعارك في الجنوب وسيقود إلى القبول بمبادرات التسوية السياسية.

كل تلك التطورات تعزز توقع أن يكون عام 2022 عام تسويات وتقديم مصلحة كل بلد في المنطقة على الصراعات الاقليمية، ما يسحب الزخم من تلك الصراعات. وفي ذلك أفضل السبل للتركيز على مشروعات التنمية وتحقيق تطلعات الشعوب في التطور والاستقرار.