وهكذا بلغت نسبة البيض الأوروبيين من بين المقبوض عليهم في تهم إرهاب في بريطانيا 48 في المئة، بزيادة 7 في المئة عن العام السابق 2019. بينما انخفضت نسبة المشتبه بهم من أصول اسيوية إلى 34 في المئة، بأقل 5 في المئة عن العام السابق.

تلك الزيادة المضطردة في نسبة "الإرهاب الأبيض" في السنوات الأخيرة ليست قاصرة على بريطانيا. ولا شك أنها اكتسبت زخما من سنوات حكم الرئيس الجمهوري دونالد ترامب للولايات المتحدة منذ عام 2016. وبعد أحداث اقتحام مبنى الكابيتول الذي يضم مجلسي الكونجرس في العاصمة واشنكن في 6 يناير الماضي، بدأت السلطات الأمريكية تتحدث علنا على الإرهاب المحلي، وهو أيضا أرهاب أبيض من المتطرفين اليمنيين.

صحيح أن الارهاب الأبيض موجود في امريكا وغيرها من قبل، لكنه تصاعد مع صعود اليمين الشعبوي للسلطة عبر الأطلسي من أمريكا إلى إيطاليا. وشجع ذلك جماعات متطرفة تتبنى العنف في المجتمعات الغربية على توسيع نشاطها واقتحام المجال العام وكأنها "قوة سياسية"، بالضبط كما حدث مع جماعة الإخوان في العالم العربي قبل سنوات محاولة التميز عن التنظيمات الارهابية التي تقع تحت مظلتها الواسعة.

تزامن صدور الأرقام البريطانية مع تطور آخر في ألمانيا. فقد قامت الاستخبارات الداخلية الألمانية بوضع حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني المتطرف تحت مراقبة الشرطة، معتبرة أنه "ضاعف انتهاكاته للنظام الديمقراطي". وتلك درجة أقل من اعتبار تلك الجماعة منظمة إرهابية، لكنها محل شك قوي في ارتكابها أعمالا ارهابية.

أغلب تلك الجماعات في الغرب، ترفع شعار معاداة المهاجرين لكن نشاطها أوسع ويصل إلى العنصرية الفجة تجاه غير البيض عموما. تتعدد مسميات وأوصاف تلك الجماعات: اليمين المتطرف، النازيون الجدد، عصابات تفوق البيض.. الخ. لكنها في النهاية تشترك في خصال مثل العنصرية المتطرفة والعنيفة واستهداف مؤسسات الدولة وإشاعة الفوضى وتخريب السلم الاجتماعي وتجاوز الديموقراطية ومؤسساتها. هم في النهاية "ضد المؤسسة"، بالضبط كما كانت سياسة ترامب على مدى أربع سنوات في الحكم وحتى الآن.

لا شك أن صفة "النازيين الجدد" تضرب وترا حساسا في الغرب، إذ تعيد إلى الأذهان سنوات مظلمة من حكم النازية والفاشية في أوروبا. المثير للدهشة أنك تجد أحفاد ضحايا الفاشية والنازية بين صفوف النازيين الجدد من جماعات الإرهاب الأبيض، بل ويزايدون على البيض الآخرين. والأكثر غرابة أن تجد مهاجرين وابناء أقليات مضطهدة وتعاني التمييز ضدها بين تلك العصابات اليمينية المتطرفة، وأحيانا يكون هؤلاء "ملكيين أكثر من الملك" في معاداتهم للمهاجرين والملونيين (من أقرانهم) والأقليات العرقية والدينية الأخرى.

الفارق الآن، أن تلك الجماعات أصبحت تشكل تهديدا ارهابيا لمجتمعاتها وخطرا على النظام بشكل عام. وهذا ما جعل الدول الغربية الرئيسية تلك تركز اهتمامها على الارهاب المحلي (الأبيض)، وليس فقط على الارهاب الآتي من الخارج والذي أغلبه يرتبط بمسلمين، عرب وآسيويين. طبعا لا يعني ذلك أن خطر الإرهاب الخارجي انتهى، إنما أصبح الارهاب الداخلي ملفتا للانتباه كذلك. ولا عجب، فهما وجهان لعلمة واحدة جذرها التشدد والتطرف الذي ينتهي بالإرهاب والعنف.

لعل في هذا الصعود لخطر الإرهاب الأبيض ما يجعل الغربيون يدركون خطر ما يريدون فرضه علينا بحجج الديموقراطية والحرية وحقوق الانسان وغيرها من شعارات الوعظ الغربي التي تشعرهم بالتفوق الأخلاقي المزيف. فالتساهل مع التطرف في الرأي والتشدد العنصري يقود بالضرورة إلى العنف والإرهاب وضرب السلم والأمن وتخريب المؤسسات والنظم. وهذا ما نراه في دعوات القبول بالإخوان مثلا ضمن "النظام" على اعتبار انهم "معتدلون"، فقد مررنا بكل تلك المراحل ورأينا جماعاتهم الارهابية من "الجماعة الاسلامية المسلحة" إلى القاعدة وداعش. وها هي جماعات الألتراس اليمينية تثير الفوضى العنيفة في إرهاب أبيض يشيع الخوف في مجتمعات الغرب.

هناك فارق بين حرية الرأي والتسامح الديموقراطي والأفكار العنصرية المتطرفة. ولعل أوروبا لا تنسى أن هتلر وصل إلى السلطة في ألمانيا بانتخابات ديموقراطية حملته إلى السلطة.