في المناظرة الثانية بينهما، ومع كل الاحترام لما يقرره الشعب الأميركي عند الاقتراع، أثبت دونالد ترامب حاجة كل الدول في هذا الزمن للمسؤول الذي يفكر خارج المألوف، وإن كان من باب منح الفرصة.

شخصيا، بدا لي جو بايدن كمشارك في برنامج "المبتدئ" أو The Apprentice أمام ترامب، الذي كان مقدم البرنامج في عام 2004، والسبب سهولة تصويره كشخص كان في موقع القرار ولم ينفذ وعده الأول ليطالب بفرصة أخرى في موقع أعلى.

يسعى بايدن – السياسي المخضرم ونائب الرئيس السابق – لمخاطبة الفهم التقليدي والمنطقي للجمهور الأميركي، بينما يعلم ترامب – الرئيس الحالي – بأن ما أتى به إلى سدة الرئاسة أساسا هو صوته المغاير، الذي رأته الجموع مقدمة لمميزات تناسب ظرفا ومستجدات عالمية مغايرة للمألوف، يحتاج شخصا بسيط الخطاب، طارئا على السياسة، مكتفيا من حيث المكاسب الشخصية، ولا يتاجر بالآمال والطموحات من أجلها.

بغض النظر عما تسفر عنه الانتخابات الأميركية، لا يهدف هذا المقال لتناولها، وإنما يسعى للخروج بدرس ينفع دولنا العربية على مستوى الإدارة العليا والوسطى في الدولة، من أن المشكلات المزمنة وأوجه القصور المستمر في أي مجال تدعو صراحة إلى تعيين من يفكر "خارج الصندوق"، إن لم يكن في المنصب ذاته ففي هيئة مستشاريه وبقرارات ملزِمة.

إن الفائدة المتحصلة من ذلك تساعد الحاكم وأهل المشورة على إبراء الذمة تجاه المصالح الوطنية العليا، وحلول المشكلات المحلية، وإن كان من منطلق أضعف الإيمان: أن الفرصة قد منحت حتى لغير التقليديين. فجيل الفئة العمرية ما بين 25 و30 عاما ينظرون اليوم إلى أحقيتهم في حياة أفضل من ذويهم، حتى وإن كانوا في مجتمعات بالغة التقدم.

في المجتمعات التي يرى فيها المواطن الخطأ واستدراكه والصواب وتكريسه، يتشرب ذات المواطن الحصانة ضد التشكيك والإرجاف، من المؤثرين في الداخل والخارج، ليقينه بأن الدولة تعلن كل فترة عن نجاح، والأهم أن تعلن عن السعي لتجربة الحلول الناجحة، ليطمئن المواطن من أن حلا واحدا لن يكون محتكرا للسبل بصورة مزمنة، حتى بعد ثبوت عدم جدواه مع تطور العوامل والظروف.

جاءتني هذه الخاطرة أثناء نهاية الأسبوع مع مناظرة المرشحين الرئاسيين في الولايات المتحدة، وما تخللها من سطوع نجم ترامب – الرئيس غير المألوف – من باب مسؤولية المواطن والحاكم والدولة ككل، في مجتمعاتنا الخليجية أولا والعربية – التي سلمت من الحراك المضلل – ثانيا، للتمكين لأصحاب النظرة غير التقليدية وفقا لنجاحهم في تخصصات حيوية، ونجاحهم في التفنيد المنطقي لمشكلات أو أوجه تقصير تواجهنا حاليا على عدة أصعدة في أوضاع غير مسبوقة.

نسبيا، الرفاهية والتنمية والاستقرار، في الخليج العربي على الأقل، لا يجب أن تنتظرا نضوب النفط مخزونا أو جدوى، ولن يكفينا العمل على أبحاث أواخر السلاسل الإنتاجية downstream للخروج بمشتقات جديدة أكثر قيمة من النفط الخام. يجب ألا يطمئن أحدنا حتى يرى تراب دولنا الغالي وقد ثبتت جدواه كأفضل معيار لمكونات خامات زجاج الألواح الشمسية، أو أن نعلم ألا فائدة من ذلك فننتقل إلى المربع التالي من الأبحاث على ما حبانا الله تعالى به من خيرات، لتدويلها المسبق كسلع إستراتيجية، قبل أن نجد أنفسنا مضطرين لتكوين تحالف تضاف إليه كلمة plus، ولا نكون حينئذ أهل الكلمة الطولى فيه، أو الأسوأ، ألا نكون فيه أساسا.