وبموجب الميثاق سيكون للمنظمة هيكل متكامل يحقق مصالح أعضائه في استغلال مواردهم الطبيعية وإقامة شراكات اقتصادية وتجارية بين الدول الأعضاء، فضلا عن استثمار اكتشافات الغاز في شرق المتوسط في إرساء دعائم السلام والاستقرار في المنطقة، وضمان تلبية العرض والطلب من الدول المنضمة للمنظمة، وترشيد كلفة البنية التحتية، وتقديم أسعار تنافسية في سوق الغاز العالمي.

يعد تحول منتدي الغاز لدول شرق المتوسط الذي أسس في عام 2019 من منصة للحوار والمشاورات بين دوله إلى منظمة إقليمية دولية دائمة، نقلة نوعية في استثمار وتجارة الغاز الطبيعي، ومن المأمول أن يعود ذلك التأسيس المهم بفوائد كثيرة -وفقا للخبراء المتخصصين- ليس فقط على الدول الأعضاء في المنظمة الوليدة، وإنما على الاقتصاد العالمي بشكل عام، لا سيما الدول التي تعتمد على الغاز بدلا من النفط في صناعاتها وتشغيل مصانعها.

كما أن اختيار القاهرة مقرا للمنظمة يرجع لخبرة مصر في قطاع الغاز والبنى التحتية الجيدة، فضلا عن كونها الدولة الأكبر في المنطقة في اكتشافات وإنتاج الغاز الطبيعي، ولأنها المحطة الوحيدة في منطقة البحر المتوسط التي يمكنها استقبال الغاز من جيرانها ثم إسالته وإعادة تصديره.

بادئ ذي بدء، من المهم بمكان تسليط الضوء على ماهية وطبيعة وغايات المنظمات الدولية بشكل عام حتى يسهل سبر أغوار العديد من المصطلحات القانونية التي تواتر استخدامها بمناسبة توقيع الميثاق المؤسس للمنظمة الوليدة، التي تعد الأولي من نوعها، في كافة أرجاء المعمورة.

المنظمة الدولية هيئة تنشئها مجموعة من الدول للإشراف على شأن من شؤونها المشتركة وتمنحها اختصاصا ذاتيا معترفا به، وتباشره هذه الهيئات الدولية في المجتمع الدولي وفي مواجهة الدول الأعضاء في هذه الهيئة الدولية، وتقيم الدول هذه المنظمات الدولية، كما في حالة منظمة دول غاز شرق المتوسط، لتحقيق أهداف بعينها، ومن المهم بمكان أن نؤكد على محدودية الشخصية القانونية الدولية للمنظمة الدولية مقارنة بتلك التي تملكها الدول ذات السيادة، فالمنظمة  الدولية تُحدد صلاحياتها واختصاصاتها في حدود الغايات التي حُددت في الصك الدولي المنشئ لها .

المنظمة الدولية الإقليمية هي تلك التي تشرف على الشؤون الدولية أو بعضها في نطاق إقليمي معين، مثل جامعة الدول العربية تدليلا.

أما المنظمات الإقليمية المتخصصة فهي التي يقتصر نشاطها على تحقيق التعاون بين أعضائها في نطاق معين أو في خدمة محدودة، ومن صورها الوكالات المتخصصة، مثل منظمة الصحة العالمية تدليلا.

ولذلك ينطبق ما سبق على منظمة الغاز لدول شرق البحر المتوسط، فهي تضم دول حوض شرق البحر المتوسط من ناحية، وتبتغي تحقيق أغراض اقتصادية وفنية محددة من ناحية أخري.

تَعمل المنظمة الدولية بشكل عام على توثيق أواصر التعاون والتقارب فيما بين الدول الأعضاء في هذه المنظمة، والقيام بتمثيلها والتعبير عن مواقفها ووجهات نظرها في المجتمع الدولي، وتوثيق التعاون بينها في بعض المجالات، أو توحيد بعض المرافق والخدمات الاقتصادية والفنية المهمة فيها، تمهيدا لتحقيق شكل من أشكال الوحدة الاقتصادية على مختلف الأصعدة أو على صعيد محدد.

يُعد دستور المنظمة معاهدة دولية تنشأ بمقتضاها المنظمة الدولية، وتسلك هذه المعاهدة ذات الإجراءات التقليدية لإبرام المعاهدات من مفاوضات وتوقيع، وهنا يعد ميثاق منظمة غاز دول شرق البحر المتوسط، الوثيقة القانونية الإلزامية التي تحدد اختصاصات وسلطات وصلاحيات المنظمة وحقوقها وواجباتها في مواجهة المجتمع الدولي فضلا عن الدول الأعضاء في هذا المنظمة، كما يحدد ميثاق المنظمة طبيعة العلاقة بين المنظمة والدول الأعضاء فيها، كما يخلق دستور المنظمة الأجهزة الجديدة لهذه المنظمة ويحدد اختصاصاتها.

لقد اختارت الدول الأعضاء لفظة "ميثاق" لتسمية الوثيقة المؤسسة لمنظمتهم، وهنا تؤكد اتفاقية فِييّنا لقانون المعاهدات الدولية عام 1969 أن لفظة "معاهدة" تدل على كل اتفاق دولي أيا كانت تسميته الخاصة، وأنه توجد تسميات متعددة ومتعادلة، فالساحة الدولية تزخر بعدد كبير من هذه التسميات مثل: معاهدة، اتفاقية، بروتوكول، إعلان، ميثاق، عهد، نظام، اتفاق، تبادل مذكرات، تبادل رسائل، مُذكرة تفاهم، محضر مُصَدّق، اتفاقية إطارية، وغيرها.

جَلي إن دعم  الاتحاد الأوربي  للمنظمة الوليدة خاصة  في الجانب المالي و الفني و الهيكلي سيدعم أركان التنظيم الإقليمي الوليد  بشكل  كبير  خاصة في  المراحل الأولي من تدشينه،  فضلا  عن الدعم السياسي الذي يأتي  في المقام الأول  بالنظر  لأهمية  الاتحاد الأوربي كتنظيم  دولي إقليمي فاعل  في سياسات المنطقة و تجلت أهمية الأدوار التي  يمكن أن تلعبها  الاتحاد  الأوربي من خلال التأثير السياسي  الأمني و الاقتصادي في  الآونة  الأخيرة التي شهدت  المماحكة  التركية التي وصلت لدرجة التهديدات  العسكرية للدول  الأعضاء في  الاتحاد  مثل قبرص و اليونان و فرنسا في  منطقة شرق  البحر المتوسط .

جلي أن مصر لم تتبوأ مركز دولة المقر للمنظمة الإقليمية الوليدة وحسب، بل صارت منذ سنوات قليلة الدولة الكبرى في المنطقة في مجال الاكتشافات الغازية الضخمة وتوازت هذه الاكتشافات مع إنشاء مصر لأضخم المرافق، فضلا عن التسهيلات الفنية والتكنولوجية في مجال إسالة الغاز الطبيعي، مما بعث الثقة والطمأنينة  لدى باقي الدول الأعضاء في المنظمة كي تكون مصر دولة المقر لذلك التنظيم الوليد وفي المقابل نجد أن إيطاليا واليونان، بالنظر لموقعهما الجغرافي المتوسط، لديهما طموحات مختلفة عن الطموحات المصرية، حيث تسعي البلدان لأن تصبحا عقدة المواصلات ومركز العبور للغاز القادم من مصادره المختلفة في شرق البحر المتوسط إلى الدول الأوربية .

من المهم بمكان الإشارة إلى أن ميثاق المنظمة لم يؤصد الباب أمام دخول أعضاء جدد، فالبيان التأسيس للمنتدى أكد أن "المنتدى يتطلع لعضوية دول أخرى بالمنطقة"، لكنه اشترط أن تتماشى الدول الجديدة مع أهداف المنتدى وتتشارك نفس الأهداف لتحقيق الغاية المشتركة، وهنا تثور التساؤلات بل الشكوك حول إمكانية انضمام تركيا لهذا التنظيم المهم في ضوء الرسائل والأفعال العدائية التي ترسلها تركيا بين الفينة والفينة، تجاه جيرانها في حوض شرق البحر المتوسط.

إن البواعث والغايات التي نشأ من أجلها أول تنظيم إقليمي دولي في مجال الغاز متعددة الأصعدة، ولكن الحقيقة المادية  لا تقل أهمية عن الإطار القانوني في ذلك الصدد، فالاستكشافات والاكتشافات التي حدثت في مصر وقبرص وإسرائيل وجميعها من الدول المؤسسين للمنتدي ثم المركز الإقليمي، والحقيقة الأخرى التي تكشف عنها  الطبيعة والجغرافيا معا، وهي أن منطقة شرق البحر المتوسط تضم دول تتمايز في خصائصها ما بين دول منتجة ودول مستهلكة ودول عبور ونقل للغاز، ومن ثم صارت الحاجة ملحة لتأطير قانوني ومؤسسي يحشد هذه الدول سويا ويجعلها تصطف في تنظيم دولي جامع يحقق أمال وغايات شعوب الدول الأعضاء في هذا التنظيم الإقليمي.

واليقين الذي لا يعوزه تأصيل أو تدليل أن العمل الجماعي المشترك أنفع وأجدي من المبادرات الفردية أو الانفرادية، فمن خلال تجمع مركزي إقليمي يسهل التعاون الوثيق في جملة أمور فنية وغير فنية من بينها الرقمنة، ومشاركة البيانات، والمسوحات الأساسية الاستكشافية والبحثية، والمنصات الرقمية المفتوحة.

سياسيا لا يمكن التقليل من خطورة التحديات السياسية التي تجابه الدول الأعضاء في ذلك التنظيم، وأيضا الدول المرتقب انضمامها له إن آجلا أو عاجلا، فالمناكف التركي لا يغيب عن المسرح الجغرافي والسياسي والاقتصادي والأمني، منذ أن شطر العسكري التركي قبرص لشطرين منفصلين في عام 1974، ثم مارس تحرشاته العسكرية المباشرة مع اليونان بعد الاحتلال العسكري التركي لشمال الجزيرة القبرصية، ومؤخرا وتحديدا منذ عام 2018 تتبني تركيا سياسة "دبلوماسية  البوارج  الحربية " والمواجهة  المفتوحة مع جيرانها في بحري إيجة والمتوسط، وتزخر لبنان مع إسرائيل بعديد النزاعات التي لا تقتصر على حالة الحرب القائمة بين البلدين منذ عام 1948، ولكن تمتد إلى إخفاق الوساطة  الأمريكية في قيام البلدين بإبرام اتفاقية لتعيين الحدود البحرية بيم  البلدين، وتمتد تعقيدات المشهد اللبناني إلى رفض البرلمان اللبناني التصديق على اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين لبنان وقبرص .

سياسيا أيضا، فالوضع الأمني والسياسي الراهن في سوريا، يلقي بظلال الشك والتوجس من إمكانية انضمام سورية إلى ذلك التجمع الإقليمي على الأقل في قابل الأيام، ومن المؤكد أن سوريا سترجئ النظر في ذلك الأمر لحين إعادة ترتيب البيت الداخلي السوري الذي يستحيل ترتيبه من دون إقرار الوثيقة الدستورية الدائمة الجديدة التي ترعي منظمة الأمم المتحدة تأسيسها منذ سنوات.

اقتصاديا، وباختصار غير مخل، هناك بعض التحديات التي تجابه آمال الدول الأطراف في ميثاق هذه المنظمة الإقليمية  الدولية، لكن يأتي على رأس هذه التحديات رأس المال المؤسس لذلك التنظيم المهم، فضلا عن الكلفة الباهظة، لنقل الغاز من مصادره في الدول الأعضاء خاصة من  مصر في جنوب البحر المتوسط سواء إلى دول العبور اليونان أو إيطاليا ثم  إلى باقي أوروبا، وهنا فحتى تعتمد أوروبا على الغاز القادم من دول المنظمة اعتمادا رئيسيا مقارنة بالإمدادات المقارنة التي تصلها من روسيا والنرويج وبحر قزوين وقطر، فمن الضروري بل والحيوي أن تفوق القدرة التنافسية الاقتصادية للمنظمة في مجال مد الغاز عن تلك المتوافرة لدى الدول المشار إليها .

صفوة القول، صار هناك جسد قوي جديد يجمع دول الجوار الجغرافي في منطقة شرق المتوسط، ويؤسس غاياته وطموحاته على مبادئ القانون الدولي، وعلى باقي دول الجوار أن تدرك أن أحد أهم المبادئ التي نص عليها ميثاق المنظمة الوليدة، مبدأ حسن الجوار، وهذه أبلغ رسالة لمن يعنيه الأمر.