توجد على الأقل 3 أفكار وأيدولوجيات رئيسية كبرى سيطرت ولا تزال على مصائر ومقدرات التشكيل السياسي-الاجتماعي في المنطقة منذ الحرب العالمية الثانية وحتى الآن، وهي على التوالي: الدينية والقومية والماركسية.

وبالرغم من وصف العصر الحالي بأنه عصر سقوط الأفكار أو الأيدولوجيات الكبرى، فإننا نكاد لا نجد مؤشرات على انطباق هذا الحكم أو مثل هذه النتيجة على المنطقة العربية.

حتى إن انهيار وتدمير عواصم وبلدان مثل هذه الأيدولوجيات، لم يمتد بالقدر نفسة إلى بنية مثل هذه الأفكار والأيدولوجيات، أو المجموعات السياسية والاجتماعية الحاملة لها.

ربما تجد تحويرا لمسار هذه الأفكار والأيدولوجيات ويمكن أن يمتد هذا التحوير إلى الجماعات أو الفرق الحاملة لها، إنما بالمرة لا توجد مؤشرات واضحة على انتهاء صلاحية مثل هذه الأفكار أو الأيدولوجيات ومجموعاتها أو فرقها السياسية والاجتماعية.

مازالت الأفكار القومية البعثية تسيطر في سوريا وتعيش متحالفة مع الفكرة الدينية، التي تمثلها أطراف إيران وحزب الله اللبناني بجانب بقايا المجموعات والفرق اليسارية أو الماركسية الصغيرة. ومازالت تردد منتجاتها السياسية ذاتها التي جلبت الدمار والهزيمة.

التحوير الجديد الذي طرأ عليها، أنها تعيش جميعا في الوعاء الطائفي للفكرة الدينية الشيعية. بالمثل تعيش الفكرة الإخوانية في وعاء طائفي سني، بتحالف مع المال القطري والوهم الإمبراطوري الأردوغاني باستعادة الخلافة، انطلاقا من تركيا بجانب أفراد وفرق قومية وماركسية صغيرة. كلاهما يسمي نفسه مقاومة. منذ عقود يسمي نفسه كذلك. ومنذ عقود لم يخرج بالحالة العربية من أزمتها. إنما على العكس ضاعف منها بل وأسكنها قيعان الكوارث السحيقة.

كان للعرب نكبة واحدة وقضية واحدة هي فلسطين، فصار لهم بدل النكبة عشر، وبدل الاحتلال الإسرائيلي، أكثر من احتلال، كما هو حال الإيراني والتركي والروسي والأميركي.

وبدأ أمثال هؤلاء من معاداة إسرائيل، لكنهم الآن يحاربون العرب أنفسهم قبل أن يحاربوا غيرهم في سوريا كما في اليمن وليبيا والعراق والخليج ومصر. أو كما يجري في فلسطين المحتلة، التي صارت نموذجا فريدا للانقسام والتقسيم تحت الاحتلال بفضل حماس و"مقاومة حماس".

ما الذي سقط في هذه المنطقة بالضبط؟ بل كيف تسقط البلدان، التي مثلت لعمرها نموذج تطبيق الأفكار والأيدولوجيات الدينية والقومية والماركسية. كيف صارت هذه البلدان نموذجا لبلدان الاحتلال والقتل والتشريد واللجوء ومحو المدن والحواضر. بينما لم تسقط بعد جماعات وفرق الدين والقومية والماركسية. كيف تجد تحوّرا لها في الطائفة؟ هل هو فكر "المؤامرة الخارجية"، كما يقول أو يفسر البعض؟

ربما يساهم مثل هذا العامل جزئيا خاصة في ظل تدافع قوى دولية وإقليمية متعددة نحو المنطقة العربية. إنما أليس غريبا أن جماعات وفرق الدين والقومية والماركسية، هي نفسها من استدعى الإيراني والتركي والروسي إلى المنطقة، وأنها أن ظلت حية تسعى، فبفضل "الحماية الأجنبية"، التي تم توفيرها لها أو وفرتها لنفسها من هذا الجانب؟

عن أي مؤامرة خارجية، يجري الحديث إذن؟ عن أي دور لمثل هذه المؤامرة الخارجية؟ أتصور أنه بات علينا البحث جديا في فضل المؤامرة الخارجية في توفير الحماية الأجنبية لأفكار وفرق المجموعات الدينية والقومية والماركسية وتحويراتها الطائفية، ربما ندرك أو نعرف ساعتها إجابة على سؤال: ما الذي سقط في المنطقة العربية بالضبط.. ولماذا أو كيف لم يسقط ماكان مفترضا بشأنه السقوط، بصفته المسؤول الأول والمباشر عن سقوط العرب؟