الجماعات الإرهابية في سيناء جماعات متعددة الولاءات السياسية. انس خلفياتها الأيديولوجية. ويمكن تقسيمها إلى خطين رئيسيين: داعش في شمال سيناء، والقاعدة. تحت المجموعة الثانية هناك تشعبات ومسميات لا تهمنا هنا كثيرا. ما يهمنا هو داعش في شمال سيناء. وما يهمنا بالتحديد هو تطور علاقتها بتركيا.  

جماعة داعش ترى أن تركيا خدعتها في سوريا، استخدمتها في السنوات الأولى للحرب، ثم تخلت عنها وبحثت عن مصلحة تركية عند روسيا وطهران. بل وتخلت عنها في العراق، في صفقة كسبت منها تحجيم دور الأكراد.  

الآن، إن أرادت داعش في شمال سيناء أن تضرب أكثر من حجر بهدف واحد. أن تستمر في حربها على الدولة المصرية. وأن تهدد القبائل التي تتهمها بالتعاون مع الدولة المصرية. كالعادة. ولكن أيضا أن تبعث رسالة إلى تركيا تقول لها فيها إن كونكم مسلمين ليس خطا أحمر في مهاجمتكم. نستطيع أن نجد مخرجا "شرعيا" لذلك، يثبت أنكم لستم مسلمين جيدين. فأنتم صوفية والصوفية كذا وكذا. وعندنا "عناصر" مستعدة للاقتناع بهذا. إن أرادت كل هذا أي هدف تختار؟ 

نعم. تختار أن تضرب مسجدا هناك مثله كثيرا في تركيا. ويرمز إلى ما هو متكرر في تركيا. مسجدا صوفيا.  

تركيا أعلنت الحداد الرسمي يوما على ضحايا المسجد. في خطوة إعلامية هدفها أن تقول إن هذا خط أحمر يجمع كل المسلمين. ويتجاوز الخلافات السياسية بيننا وبين مصر. هي بذلك تحمي نفسها قبل أي شيء آخر.  

بوقها الإعلامي العربي، قطر، تصرف بارتباك واضح. يريد أن ينفي إمكانية أن تفعل حتى داعش ذلك. وفي هذا الارتباك وصل إلى حد العته، فشحنت وسائلها الإعلامية لتوزيع الاتهامات بالمذبحة في اتجاهات لا تدل إلا على "التطبيش" الأهوج.  

أبواق الإخوان كتبت رسالة متفقا عليها: الثمن الباهظ يدفعه الجميع، هيا بِنَا نتصالح. نحن الذين نستطيع أن نخدمكم في الحرب ضد هؤلاء الأكثر تطرفا. نخدمكم دعائيا. ولدينا أيضا استعداد أن نخدمكم ميدانيا.  

"سي إن إن" نشرت تحليلا يقول إن الجماعات الإسلامية الأخرى، جند الإسلام وبيت المقدس، توعدت جماعة داعش في شمال سيناء بالرد على الهجوم. فهمّ "سي إن إن" للأحداث العربية - كما تعلمنا في السنوات الأخيرة - مرتبط بمصادر الحلف العثماني. الرسالة المضادة التي يريد التحالف العثماني، والجماعات المحسوبة عليه أن يمررها لداعش كالتالي: أي هجوم على المصالح التركية سيرد عليه. 

لعبة شد الحبل بين داعش والجماعات المحسوبة على التحالف العثماني مستمرة. لاحظوا أن أياما مرت قبل أن تعلن أي جماعة مسؤوليتها عن الحادث لإعطاء وقت للتفاوض بين الإرهابيين. المفاوضات على الطريقة الإرهابية تنتهي بصفقات كلها على حساب المواطنين المسالمين. إما اشتعال حرب داخلية، أو تقديم خدمات للإرهابيين. حين تعلن المسؤولية ستكون رسالة قبول بالتحدي، وإعلان استعداد للحرب الداخلية بين جماعات الإرهاب.  

الآن. قد تقرأ المقال فتقول إن هذا أغرب من الخيال. والحقيقة أن هذا هو الواقع الذي لا نحب أن نصدقه. لقد كان هذا هو الواقع في أفغانستان "أيام المجاهدين" وفي الصراع الذي تلا الجلاء السوفييتي. وهكذا كان في العراق. 

الإسلاميون مجرد بنادق مأجورة، تقبض الثمن في الدنيا، وتؤجل لعساكرها الثمن إلى الآخرة. يا لها من تجارة!