أعلن البابا بنديكت السادس عشر، الاثنين، أنه سيستقيل من منصبه في الثامن والعشرين من فبراير الجاري، ليكون أول بابا يستقيل من منصبه على رأس الكنيسة الكاثوليكية منذ نحو 6 قرون.

وجاء في بيان صادر عن الفاتيكان أن‭" ‬البابا يقول إنه لم يعد يقوى على مواصلة العمل لتقدمه في السن". وأضاف البيان نقلا عن البابا: "لهذا السبب ومع علمي بأهمية هذه الخطوة التي اتخذها بكامل إرادتي، أعلن التخلي عن كرسي البابوية في روما".

وقال البابا (85 عاما) في خطاب ألقاه باللاتينية خلال مجمع كرادلة منعقد في الفاتيكان: "بعد مراجعة ضميري أمام الله توصلت إلى قناعة بأنني لم أعد قادرا بسبب تقدمي في السن على القيام بواجباتي على أكمل وجه على رأس الكنيسة" الكاثوليكية.

وقال الأب فيديريكو لومباردي، في إعلان غير مسبوق في تاريخ الكنيسة الكاثوليكية، إن "البابا أعلن أنه سيتخلى عن مهامه في الساعة 20:00 (19:00 ت غ) في 28 فبراير"، عندها تبدأ مرحلة ما يسمى "الكرسي الشاغر"، وفق لومباردي.

وانتخب البابا على رأس الكنسية الكاثوليكية في 19 أبريل 2005، وأقيمت مراسم تنصيبه في 24 أبريل، وتسلم مقاليد السلطة وفق تقليد الكنيسة الكاثوليكية في 7 مايو في كاتدرائية القديس يوحنا اللاتراني في روما.

ويتمتع البابا بنديكت بالجنسية الألمانية، وكذلك جنسية دولة الفاتيكان. وكان خليفة البابا يوحنا بولس الثاني.

وعبرت ألمانيا عن "احترامها وامتنانها" للبابا بنديكت، المولود في ألمانيا، عن السنوات الثماني التي أمضاها على رأس الكنيسة الكاثوليكية، كما أعلن المتحدث باسم المستشارة الألمانية أنغيلا ميركل.

وقال ستيفين سيبرت إن "الحكومة الفدرالية تكن أكبر قدر ممكن من الاحترام للحبر الأعظم ولإنجازاته وعمله طوال حياته من أجل الكنيسة الكاثوليكية"، مضيفا أنه يستحق "الامتنان" أيضا.

الحبر الأعظم الحازم المحافظ

وسيذكر العالم البابا بنديكت كحبر أعظم، عالم في اللاهوت، متحفظ ودقيق، يحرص على توضيح رسالة الإيمان الكاثوليكي، وحازم إزاء انقسامات وفضائح غير مسبوقة.

وهذا المفكر المتحدر من بافاريا في ألمانيا تربع على كرسي القديس بطرس فيما كان معروفا بأنه محافظ متشدد، لكنه عرف على مر السنين كيف يخفف من وهج هذا الصيت، ثم اضطر لإدارة أشد أزمة واجهتها الكنيسة المعاصرة مع كشف مسلسل الفضائح المتعلقة بالتحرش الجنسي بأطفال من قبل أعضاء في السلك الكهنوتي، زادها تفاقما "قانون الصمت" الذي التزمت به الهرمية الكنسية.

واعتبر البابا "أن اكبر اضطهاد" للكنيسة يأتي منها بالذات من خلال خطاياها، وطلب "الصفح" من الضحايا في يونيو 2010 ودعا إلى عدم التسامح في هذا الخصوص.

وفي العام 2012 واجه داخل حاضرة الفاتيكان فضيحة تسريب وثائق سرية أدت إلى توقيف كبير خدمه باولو غابرييلي، في دلالة على استياء وانقسامات في الإدارة البابوية.

وتميزت حبرية جوزف راتزنغر فيما كان في الثامنة والسبعين من العمر، بالدفاع عن القيم المسيحية لأوروبا، وأنشأ هيئة لـ"التبشير الجديد بالإنجيل" في المجتمعات التي ابتعدت عن الدين المسيحي.

وسعى في مئات من خطبه إلى توضيح "جمال" الرسالة المسيحية التي لا يتوجب أن تتكيف مع الأفكار الرائجة. وهذا ما دفع منتقديه إلى القول إنه يعيش في صومعة.

وهو معروف بطبعه المنزوي الخجول حتى في سلوكه، وسفرياته أقل من سلفه البابا يوحنا بولس الثاني، وكذلك إطلالاته الإعلامية.

دافع عن مفاهيم العائلة التقليدية، ولم يحد عن الخط الثابت للكنيسة المعارضة للإجهاض والموت الرحيم. لكنه ترك أثرا عميقا في نوفمبر 2010 عندما أقر في كتاب مقابلات بعنوان "نور العالم" باستخدام الواقي "في بعض الحالات" لتجنب مخاطر العدوى.

وهذا الانفتاح غطى على عبارة أخذت عليه عندما قال في العام 2009 إن توزيع الواقيات الذكورية يزيد من خطورة مشكلة الإيدز. إلا أنه لم يسمح بأي تعديل بشأن عزوبية الكهنة أو رسامة نساء، كما أنه لم يجر أي إصلاح للإدارة البابوية ما خيب الكثير من الآمال.

ولد البابا بنديكتوس السادس عشر في 16 أبريل 1927 في ماركتل-ام-اين في بافاريا من أب دركي وعائلة كاثوليكية تقليدية مناهضة للنازية، ودخل إلى المدرسة الأكليركية في 1939. وسجل لاحقا في الشبيبة الهتلرية الأمر الذي كان إلزاميا. وندد البابا بـ"لا إنسانية" النظام النازي. وفي العام 1951 رسم كاهنا.