يكاد يجمع المحللون، ونتائج استطلاعات الرأي، على أن الانتخابات البريطانية المزمع إجراؤها يوم الخميس 7 مايو لن تسفر عن أغلبية لأي من الحزبين الرئيسيين (المحافظين الحاكم والعمال المعارض) تمكنه من تشكيل الحكومة منفردا، ويطلق على هذا الوضع بوصف "البرلمان المعلّق".

وسيكون ذلك تكرارا لسيناريو الانتخابات الماضية وثاني برلمان بلا أغلبية على التوالي، وربما يعد أسوأ فترة جمود سياسي في تاريخ السياسة البريطانية الحديث.

فلم تسفر انتخابات عام 2010 عن فوز واضح لحزب المحافظين، المعارض آنذاك، على حزب العمال الحاكم، فاضطر المحافظون للتحالف مع الحزب الثالث من حيث عدد المقاعد، حزب الديمقراطيين الأحرار، لتشكيل حكومة ائتلافية.

ويرجع بعض المراقبين عدم الحسم في نتائج الانتخابات البريطانية إلى تراجع ثقة الجماهير في السياسة عموما والانتخابات العامة على وجه الخصوص، لكن أرقام اعداد الناخبين الذين أدلوا بأصواتهم في الانتخابات لا توحي بانخفاض كبير يبرر "عدم الحسم" هذا.

وربما كان العامل الأهم هو أن الجمهور العادي لم يعد يرى فارقا كبيرا بين الأحزاب الرئيسية، التي لم تعد تمثل اليمين واليسار بشكل تقليدي كما كان الوضع قبل نحو ثلاثة عقود.

فمنذ ثمانينيات القرن الماضي والأحزاب السياسية الرئيسية في أوروبا تتجه نحو الوسط ـ السياسي ـ تاركة الأطراف لليمين المتطرف واليسار الراديكالي.

وكان التغيير الذي مر به حزب العمال عام 1995 (قبل عامين من انتخابات عامة فاز فيها بأغلبية كاسحة على حزب المحافظين الحاكم) الحراك الواضح في المشهد السياسي البريطاني. فقد طرح الحزب شعار "العمال الجدد" متخليا في خطابه السياسي عن سياسات اشتراكية اتسم بها تقليديا ومقتربا من الوسط بشكل أكبر من منافسيه.

منذ ذلك الحين، تهدف الأحزاب السياسية إلى استقطاب قاعدة تأييدها السياسية دون أي "ابتكار" يجعلها تخاطب مؤيدي منافسيها. فكان طبيعيا حين عاقب الناخبون البريطانيون حزب العمال بإخراجهم من السلطة لكن دون أن يقدموا لحزب المحافظين أغلبية مريحة تؤهلهم للحكم منفردين.

ويرى كثير من المراقبين أن مشكلة الجمود في السياسة البريطانية التقليدية يفسح المجال أمام صعود أحزاب صغيرة ذات أفكار متطرفة مثل اليمين المعادي للمهاجرين والمشكك في جدوى ارتباط بريطانيا بأوروبا.

وهذا الجمود لا يقتصر ضرره على بريطانيا وحدها، بل ينسحب على الديمقراطيات الغربية عموما وربما بقية العالم إذ أن بريطانيا ـرغم تراجع قوتها ما بعد انهيار الامبراطوريةـ تظل ما يصف البعض بأنه "مخزن الحكمة" في السياسة والمال والأعمال.