مع بدء دخول أولى التعزيزات البرية الفرنسية إلى جمهورية إفريقيا الوسطى، السبت، برز تساؤل بشأن الهدف من وراء التدخل عسكريا في هذا البلد الواقع في قلب القارة الإفريقية، الذي تتنازعه منذ عقود موجات تمرد متكرر، ومصالح دول استعمارية سابقة.
وتشهد المستعمرة الفرنسية السابقة، معارك طاحنة منذ الخميس الماضي، راح ضحيتها خلال ثلاثة أيام قرابة 300 شخص، ما أدى إلى تدخل عسكري فرنسي بعد حصول باريس على الضوء الأخضر من الأمم المتحدة لبدء المهمة الرامية إلى استعادة الأمن في البلاد.
وانزلقت البلاد، التي استقلت عن فرنسا في 13 أغسطس 1960، إلى أتون الفوضى مجددا منذ أن سيطرت مجموعات "سيليكا" المسلحة، التي تضم في صفوفها غالبية من المسلمين، على السلطة في مارس 2013، بعد إطاحة الرئيس فرانسوا بوزيزيه، في ديسمبر عام 2012.
وفي أعقاب ذلك، اندلعت موجة عنف مضاد مع مجموعات مسلحة تشكلت على عجل، غالبية عناصرها من المسيحيين، وتطلق على نفسها "الدفاع عن النفس". ويشكل المسيحون نسبة 50 بالمائة من سكان إفريقيا الوسطى، البالغ عدد سكانها نحو 5 ملايين نسمة، بينما يشكل المسلمون 20 بالمائة، و30 بالمائة يتبعون ديانات أخرى.
ويعد التمرد المسلح في إفريقيا الوسطى سمة بارزة لهذا البلد على مدار العقدين الماضيين، ما جعلها على الدوام عرضة لعدم الاستقرار، وواحدة من الدول الأقل نموا في العالم، رغم ما تختزنه أراضيها من يورانيوم وذهب وماس وفير.
فقد كان آخر مرة وصل فيها المتمردون إلى العاصمة بانغي عام 2003، وهو تمرد قاد بوزيزيه إلى السلطة في حينه. إلا أن موجة التمرد لم تتوقف، ففي عام 2010 أنقذت القوات التشادية بوزيزيه من حركة تمرد ضده، إلا أن تشاد تخلت لاحقا عن حمايته، ما مكن ميشيل جوتوديا، الرئيس الخامس (الحالي) للجمهورية، من إطاحته.
وتنشر فرنسا قوة قوامها 250 جنديا في مطار العاصمة بانغي لحماية رعاياها في البلاد، البالغ عددهم 1200 فرنسي. ورغم أن الرئيس الفرنسي فرانسوا هولاند رفض نهاية ديسمبر 2012، التدخل العسكري في أزمة إفريقيا الوسطى، إلا أن البلاد بقيت تمثل للفرنسيين ساحة لاختبار سيناريوهات التدخل العسكري الفرنسي في مستعمراتها الإفريقية السابقة.
إلا أن هولاند قال خلال اجتماع للزعماء الأفارقة في باريس، الجمعة، إن أزمة إفريقيا الوسطى تظهر الحاجة الملحة لأن تشكل القارة قوتها الأمنية الإقليمية. وأبدت فرنسا في الوقت نفسه استعدادها لتدريب 20 ألف جندي إفريقي سنويا، وإمداد هيكل قيادة القوة الإفريقية بالعاملين.
وبدخول قوات فرنسية جديدة، السبت، إلى إفريقيا الوسطى برا من الكاميرون المجاورة، يصل تعداد القوات الفرنسية في البلاد إلى أكثر من 1200 جندي، ستكون مهمتهم تأمين الطرق الرئيسية والبلدات خارج العاصمة يانغي، إلا أن هذه المهمة سيكون لها أثمان سياسية واقتصادية، يبدو أن باريس لا تتعجل حصد ثمارها قريبا.