لا تكاد مدينة أو منطقة يونانية تخلو هذه الأيام من هجمات يمينية متطرفة ضد المهاجرين واللاجئين السياسيين في اليونان، إلى أن تحولت هذه الهجمات إلى واقع يومي يعيشه هؤلاء في ظل عجز السلطات عن حمايتهم، وتواطؤ رجال الشرطة أحيانا أخرى على إرهابهم ومنعهم من التقدم بشكاوى.

حزب "الفجر الذهبي" تجاوز كل الحدود

الحزب اليميني المتطرف المعروف باسم "الفجر الذهبي" تجاوز كل الحدود حتى وصل به الأمر إلى تحدي وزير الداخلية متوعدا إياه بمواصلة مهاجمته للأجانب، وذلك بعدما قام قبل أيام بالتدقيق في الرخص التي لدى بعض الباعة الأجانب في أحد الأسواق الشعبية، وقد قامت مجموعة الحزب بتحطيم الأغراض التي يبيعونها رغم ثبوت أن الباعة لديهم رخص من البلدية.

الأخطر في الموضوع أن هجمات أعضاء الحزب لقيت استحسان وموافقة رابطة الباعة المتجولين المفترض أن تدافع عن هؤلاء، ولكن الحقيقة هي أن الأعمال العنصرية التي يقوم بها حزب "الفجر الذهبي" بدأت تلقى استحسان قسم من المجتمع اليوناني بسبب الأزمة الاقتصادية الخانقة التي تمر بها اليونان.

فالمجتمع اليوناني الذي ارتفعت فيه نسبة البطالة بشكل كبير مؤخرا (24 بالمائة)، أصبح يصغي للدعاية العنصرية التي تقول إن الأجانب هم سبب التردي الذي وصلت إليه اليونان، وأنهم يستهلكون أموال صناديق التضامن الاجتماعي، إضافة إلى احتلالهم وظائف مكان اليونانيين.

متظاهرون يونانيون ضد التطرف

تجاوزات الحزب النازي

الحزب النازي حاول بعد وصوله للبرلمان بثمانية عشر نائباً، تطوير أسلوب عمله، فلم يعد هجومه يقتصر على الهجوم على الأجانب والتعدي عليهم، بل حاول صبغ أعماله العنصرية بالصبغة الاجتماعية، وهكذا طور مشروعات عنصرية في لباس اجتماعي خيري، مثل مشروع إنشاء بنك دم من اليونانيين لليونانيين حصراً، ومشروعات مساعدة الأسر اليونانية ببضائع استهلاكية اشتروها مقابل المال الذي حصلوا عليه من المساعدة التي تقدمها الدولة اليونانية للأحزاب التي تدخل البرلمان.

هذه المشروعات، وإن كانت لقيت استهجانا من الأحزاب والمثقفين على أساس أنها تفرقة عنصرية، لقيت ارتياحا من المواطنين خاصة الذين تلقوا هذه المساعدات، وتظهر آخر استطلاعات الرأي أن نسبة تأييد اليونانيين للحزب النازي في تصاعد مستمر، وأنهم يظهرون أنهم مختلفون عن غيرهم من الأحزاب.

ولا يقتصر وجود الحزب على المشروعات السابقة، فقد أصبح يحاول أخذ مكان الدولة المترهلة في أكثر من مكان، لا سيما في الجزر اليونانية القريبة من تركيا والمناطق الريفية خارج أثينا، وهكذا أصبح الناس يستعينون به لحل المشكلات اليومية، وقد ذهب أعضاء منه واعتصموا في جزيرة يونانية لحمايتها من تركيا، كما يزعمون، وفي حادثة أخرى أبدوا استعدادهم لإصلاح سفينة خفر السواحل التابعة لإحدى الجزر القريبة من تركيا، وكانت تعطلت منذ ستة أشهر ولم تهتمّ الدولة بالأمر.

وتسببت الأزمة الاقتصادية في رحيل عدد كبير من الأجانب عن اليونان، فيما يحاول الآخرون التكيف مع المعطيات والظروف الجديدة، وقد أصبحت أسر كثيرة تتجنب التجول في بعض مناطق وسط العاصمة خوفا من هجمات النازيين.

ومع تواتر الاعتداءات النازية على الأجانب، تخلو أقسام الشرطة من أي بلاغات مقدمة بهذا الشأن، ويقول المتابعون إن المهاجرين لا يثقون برجال الشرطة الذين يحاولون غالبا وضع العراقيل أمام وصولهم إلى الحماية القانونية، ولا يعدّون ذلك مستغربا حيث تحدثت دراسات عن تزايد نسبة التأييد للحزب النازي بين صفوف رجال الشرطة بشكل كبير.

ميلتوس بافلو رئيس مؤسسة الحقوق المتساوية والتنوع، قال في مقابلة مع سكاي نيوز العربية إن مفردات اليمين المتطرف مثل "المهاجرين غير الشرعيين" لم تعد تستخدم في الدول الأوروبية المتقدمة، لأنها من ناحية تقوّي اليمين المتطرف، ومن ناحية أخرى تضع الطبقة الحاكمة أمام مأزق في حال تبدل السياسات وإعطائهم وثائق إقامة، وحينها يجب إعادة إقناع المجتمع بأنهم "فئة صالحة".

وأكد أن المهاجرين لديهم فرصة يجب أن يستغلوها، رغم الأزمة الاقتصادية، وأن مستقبل الهجرة في اليونان متوقف على الحالة الاقتصادية، فالعديد من الإدارات المختصة بالمهاجرين شبه معطلة لانقطاع الدعم الأوروبي عنها.

وقال إن أحزاب يمين ويسار الوسط حاولت مجاراة الحزب النازي في بعض شعاراته وتصرفاته النازية خوفا على شعبيتها، لكن هذا أدّى إلى نتائج عكسية، فالمعجبون بأفكار التطرف فضلوا التصويت للحزب الذي يمثل قمة التطرف والنازية، لذلك باتت تلك الأحزاب مقتنعة اليوم بضرورة محاربة النازيين.

مواجهة المد اليميني

الجاليات الأجنبية كثفت اجتماعاتها مؤخرا لتدارس كيفية موجهة المد اليميني المتصاعد، وحسب الناشطة هلا عكاري فقد عقد اجتماع بين الجاليات تمّ فيه إقرار خطوات مثل تكثيف النشاط بين الأحياء لإشعار المجتمع اليوناني بمعاناة المهاجرين، زيادة حضور المهاجرين في المنابر العامة، تجنب عبارات مثل "المهاجرين غير الشرعيين".

وتأمل الجاليات أنّ الأيام المقبلة ستحمل إليها أخباراً مطمئنة، لا سيما أنّ وزارة الداخلية بدأت في حملة للجم أعضاء الحزب النازي المتطرف، والأمل الأكبر أن تكون هذه الحملات دائمة لا سحابة صيف عابرة.