يأتي الحراك السياسي والدبلوماسي المتسارع بشأن الحرب في أوكرانيا عند لحظة شديدة الحساسية، تتقاطع فيها شروط أوكرانية صارمة مع مطالب روسية ثابتة، في ظل دور أميركي يسعى، وفق المعطيات المطروحة، إلى الدفع نحو معادلة سلام سريعة.

وفي هذا السياق، قدّم عضو البرلمان الأوكراني فولوديمير أرييف قراءة واضحة لموقف كييف، خلال حديثه إلى برنامج غرفة الأخبار على سكاي نيوز عربية، محدداً الإطار الدستوري والسياسي الذي لا يمكن لأوكرانيا تجاوزه.

ترامب يعلن إجراءه محادثات مثمرة مع بوتين قبيل لقائه زيلينسكي

تمسك دستوري في قلب واقع ميداني معقّد

يرسم فولوديمير أرييف، في حديثه إلى غرفة ،ملامح موقف أوكراني صارم يقوم على ثوابت دستورية لا تقبل المساومة، رغم إدراك كييف لحساسية الظرف العسكري وتعقيد المشهد الميداني.

ويؤكد أرييف أن أي مقاربة سياسية أو تفاوضية يجب أن تنطلق من الحفاظ على مصالح أوكرانيا، مع الاعتراف بأن الظروف الراهنة صعبة، في ظل اشتباكات كثيفة واقتتال متواصل على خطوط الجبهة، ومتطلبات عسكرية متزايدة تفرض نفسها على الدولة الأوكرانية.

ورغم هذا الواقع الضاغط، يشدد أرييف على أن أوكرانيا لا يمكنها التنازل عن أراضيها، موضحا أن هذا المبدأ محصن دستوريا ولا يخضع لاجتهاد سياسي أو ظرفي، سواء من قبل الرئيس أو البرلمان أو حتى عبر استفتاء شعبي يتعلق بالأقاليم.

الدستور كخط أحمر سياسي وقانوني

يضع أرييف الدستور الأوكراني في صلب أي نقاش حول مستقبل الأراضي، مؤكداً أن النص الدستوري يمنع بشكل قاطع أي تنازل عن السيادة الإقليمية.

ويعتبر أن هذا الحظر لا يمثل موقفاً سياسياً عابراً، بل قاعدة قانونية ملزمة لا يمكن تجاوزها مهما كانت طبيعة الضغوط الدولية أو موازين القوى العسكرية.

ويضيف أن الحفاظ على الحقوق الأوكرانية لا يقتصر على الأرض فحسب، بل يشمل أيضا الحق السيادي في الدفاع عن النفس وبناء القدرات العسكرية والجيش الوطني، في إطار الجهوزية لمواجهة أي اعتداء محتمل، خصوصاً في ظل سجل روسي حافل، بحسب وصفه، بعدم الالتزام بالوعود أو الاتفاقات، وإمكانية انتهاك أي تفاهم مستقبلي.

أخبار ذات صلة

معارك 2025.. الجيش الروسي يسيطر على ميرنوغراد وغوليايبولي
أول رد فعل روسي على اجتماع ترامب وزيلينسكي بشأن حرب أوكرانيا

الضمانات الأمنية.. الشرط الغائب

ضمن تسلسل أولوياته، يضع أرييف مسألة الضمانات الأمنية في مرتبة متقدمة، معتبراً أن أي اتفاق لا يستند إلى ضمانات جدية، وخاصة من الولايات المتحدة الأميركية، يظل اتفاقاً هشاً وقابلاً للانهيار.

ويرى أن الحل القانوني لأزمة التنازل عن الأقاليم غير موجود من الأساس، ما يجعل أقصى ما يمكن التوصل إليه هو تثبيت خطوط القتال الحالية، مع منع أي انقسام جديد في الأراضي الأوكرانية الأخرى.

ويؤكد رفض كييف الاعتراف بأي أراض محتلة جرى الإعلان عن ضمها إلى روسيا، مشدداً مجدداً على أن لا الرئيس ولا البرلمان يملكان صلاحية اتخاذ قرار من هذا النوع، انسجاماً مع النص الدستوري الواضح.

تفاهمات مؤقتة لا سلاماً دائماً

يفتح أرييف الباب أمام إمكانية التوصل إلى تفاهمات مرحلية أو اتفاقات مؤقتة، شريطة أن تكون مقرونة بضمانات أمنية مكتوبة وقابلة للتنفيذ الفعلي في حال تجدد أي اعتداء مستقبلي.

لكنه في المقابل يبدي تشككاً عميقاً في قدرة أي اتفاق حالي على إرساء سلام مستدام، معتبراً أن مثل هذه التفاهمات قد تخدم مصالح مرحلية للطرفين، لكنها لا تعالج جذور الصراع.

ويستحضر أرييف تجارب دولية سابقة، مشيراً إلى أن غياب الضمانات الصلبة أدى في حالات عديدة إلى عودة النزاعات المسلحة، كما حدث في نماذج متعددة، وهو سيناريو يرفض تكراره في الحالة الأوكرانية.

حرب أوكرانيا.. مفاوضات وسط نار المعارك

إنهاك روسي وفرص سلام مشروطة

على المستوى الاستراتيجي، يرى أرييف أن روسيا لم تعد قادرة على مواصلة الحرب بالوتيرة نفسها، في ظل تدهور أوضاعها المالية والاقتصادية.

ويحذّر في الوقت نفسه من أن أي تنازل أوكراني شامل يلبي المطالب الروسية قد يفتح الباب أمام تجاوزات أوسع للقانون الدولي الذي تشكّل بعد الحرب العالمية الثانية، كما قد يعيد إحياء أزمات ونزاعات مجمدة سابقاً.

سلام مؤقت أم اتفاق شكلي؟

يخلص أرييف إلى أن تراجع القدرة الروسية قد يتيح فرصة لهدنة أو سلام مؤقت، في حال عجز موسكو عن إعادة بناء قوتها العسكرية والاقتصادية. غير أنه يؤكد أن هذا السيناريو، حتى إن تحقق، لن يفضي إلى سلام مستدام.

وفي حال عكس ذلك، قد تلجأ روسيا إلى إظهار رغبة شكلية في السلام بهدف تخفيف العقوبات المفروضة عليها، ولا سيما تلك المتعلقة بالنفط. وبذلك، يعكس موقف أرييف رؤية أوكرانية حذرة، توازن بين واقعية الميدان وصلابة النص الدستوري، وترهن أي أفق سياسي بضمانات أمنية حقيقية، لا باتفاقات ظرفية قابلة للانكشاف عند أول اختبار.