لا تزال محاولات فنلندا والسويد مستمرة لإثناء تركيا عن رفض انضمامهما إلى حلف شمال الأطلسي (ناتو)، في الوقت الذي يرى مراقبون وخبراء عسكريون أن أنقرة لن تقف كحجر عثرة في سبيل ترشيح البلدين الإسكندنافيين حتى نهاية المطاف، بالوصول إلى صيغة تفاهم لتبديد "مخاوفها الأمنية".

وكان الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، قد أعرب عن استيائه من المحادثات مع السويد وفنلندا التي جرت الأسبوع الماضي ولم تحرز تقدما، مؤكدا أن موافقة بلاده مرهونة بمدى مراعاة طلباتها.

وتقول تركيا إن فنلندا والسويد تدعمان حزب العمال الكردستاني وجماعات أخرى تصنفها أنقرة على أنها إرهابية، كما تريد السلطات التركية رفع القيود المفروضة على صادرات الأسلحة ضد أنقرة، بعد توغلها في سوريا عام 2019.

ولخصت تركيا موقفها في 5 "ضمانات ملموسة" لا سيما ما قالت إنه "إنهاء الدعم السياسي للإرهاب"، و"القضاء على مصدر تمويل الإرهاب" و"وقف الدعم بالأسلحة" لحزب العمال الكردستاني المحظور وميليشيا كردية سورية تابعة لها.

كما دعت المطالب التركية إلى "رفع عقوبات الأسلحة المفروضة على تركيا والتعاون العالمي ضد الإرهاب".

وتأمل السويد وفنلندا في الانضمام إلى حلف الناتو بسرعة منذ الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير الماضي.

أخبار ذات صلة

مجددا.. أردوغان يغلق باب الناتو في وجه فنلندا والسويد "بحزم"
من أجل الناتو.. السويد وفنلندا تغازلان تركيا بالتصريحات

تواصل لإقناع أنقرة

وبإمكان أنقرة عرقلة طلب هلسنكي وستوكهولم الانضمام للناتو، إذ إن موافقة أعضاء الحلف بالإجماع إلزامية قبل ضم أعضاء جدد.

ولتقريب وجهات النظر، قال وزير الدفاع السويدي، بيتر هولتكفيست، إن بلاده تحاول مع أعضاء حلف "الناتو"، حل مخاوف تركيا عبر الطرق الدبلوماسية.

كذلك أعرب وزير الخارجية الفنلندي بيكا هافيستو، عن الاستعداد لمواصلة الحوار مع أنقرة، مضيفا أنه "متأكد تماما من أنه يمكننا إيجاد بعض الحلول التوافقية فيما يتعلق بكل هذه القضايا".

وإزاء ذلك، أعلن الأمين العام لحلف الناتو، ينس ستولتنبرغ، عقد اجتماع للممثلين رفيعي المستوى من تركيا والسويد وفنلندا لمناقشة عملية الانضمام، في بروكسل خلال الأيام المقبلة.

من جانبه، يعتقد مدير الاستراتيجيات والتسليح بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية ومقره لندن، والمسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي، وليام ألبيركي، أنَّ هناك محاولة جارية لإقناع تركيا بالموافقة على انضمام فنلندا والسويد إلى الناتو، ويسيران في الاتجاه الصحيح حتى الآن.

واعتبر ألبيركي في تصريحات خاصة لـسكاي نيوز عربية، أنَّ مطالب تركيا قصوى إلى حد ما، لكن السويد وفنلندا تشتركان بالفعل في وجهة نظر مشتركة حول الإرهاب.

مصير المفاوضات

وبشأن مصير طلب فنلندا والسويد حال إصرار تركيا على الرفض، قال المسؤول السابق في حلف شمال الأطلسي إنه "في النهاية، ستوافق تركيا على طلب البلدين، لأن لديها مصلحة في وجود حلف الناتو قوياً، وأعتقد أن أردوغان سيعلن أنه حصل على ما يحتاج إليه، ليُظهر للجمهور التركي أنه قادر على تحقيق ذلك".

واتفق مع ذلك الخبير في الشؤون التركية، بشير عبد الفتاح، في تصريحات لموقع سكاي نيوز عربية، الذي أوضح أن تركيا لن تستمر في رفضها لانضمام فنلندا والسويد للناتو، إذ إنها لم تُعطل مسبقًا أي توسعات للناتو، رغم خلافاتها مع بعض دول الحلف، ولم تستخدم حق الفيتو لرفض انضمام دولة في مرات سابقة.

وأتاحت المادة العاشرة من اتفاقية واشنطن المؤسسة للناتو عام 1949، لكل دولة من أعضائه الثلاثين، إعاقة أي قرار للحلف، بمجرد استخدامها حق النقض أو "الفيتو"، متبنية مبدأ الإجماع، شرطا لاعتماد القرارات الأطلسية.

وأكد عبدالفتاح أنه منذ انضمام تركيا لحلف الناتو العام 1952، لم تعترض على توسعه في 7 مرات متتالية، لكن في هذه المرة وضعت شروطا ومطالب تأمل أن يتم النظر إليها ولا يزال النقاش مستمرًا بشأنها.

ويرى خبير الشؤون التركية أنه ما دامت تدعم الولايات المتحدة والدول الأوروبية الكبرى موقف فنلندا والسويد، فلا يمكن لأنقرة أن تعرقل هذا الأمر، بالنظر إلى تكلفته الباهظة سياسياً، خاصة أن الناتو ينسق مع الاتحاد الأوروبي بشكل مستمر، وقد يُعطل انضمام تركيا للاتحاد.

مساومة استراتيجية

وأضاف عبد الفتاح أن "أنقرة تركز في رفضها على قضية استضافة السويد وفنلندا لبعض العناصر التابعة لحزب العمال الكردستاني والوحدات الكردية السورية، وتطالب برفع حظر السلاح من جانب البلدين، وهي مساومة استراتيجية مقابل تلبية مطالبها، وليس بالضرورة الموافقة على كافة المطالب الخمسة التي حددتها الإدارية التركية.

وشدد على أن القوى الدولية الكبرى وعلى رأسها الولايات ستمارس ضغوطا على تركيا لدفعها لقبول عضوية فنلندا والسويد بالناتو، وكذلك دفع الدولتين الإسكندنافيتين للرضوخ لبعض المطالب.

وأوضح أنه في خضم المساعي الأميركية الرامية إلى توثيق التعاون الاستراتيجي بين الناتو والاتحاد الأوروبي، تحرص تركيا على كبح جماح الجفاء المتنامي مع شركائها الاستراتيجيين، الضامنين للأمن والسلام في محيطها.