بدأت خلال الساعات الماضية، عمليات إجلاء دفعات من المدنيين من مصنع "آزوفستال" للصلب في مدينة ماريوبول، التي تعد بمثابة آخر جيب للمقاومة الأوكرانية ويركز فيها الجيش الروسي معظم قوته، قبل أن تؤجل السلطات الإجلاء من مواقع أخرى من المدينة إلى الإثنين.


ويوم الأحد، أعلن الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي نجاح إجلاء نحو 100 مدني أوكراني من مصنع الصلب، بعد أن أكدت الأمم المتحدة إشرافها على تنفيذ "ممر آمن" للمدنيين.

ويمثل خروج المدنيين من تحت الأرض من هذا المجمع الصناعي خطوة أولى من نوعها، بعدما فشلت كل محاولات الإجلاء السابقة في هذه المدينة الساحلية الواقعة في جنوب شرقي البلاد والتي دُمرت بشكل شبه كامل بعد أسابيع من الحصار.

وانهارت مفاوضات إجلاء المدنيين مرارًا وتكرارًا في الأسابيع الأخيرة، في الوقت الذي ألقت موسكو وكييف باللوم على بعضهما البعض.

أخبار ذات صلة

البابا يطالب بفتح ممرات انسانية في ماريوبول "المدمرة بوحشية"

 

وتعرضت مدينة ماريوبول، وهي مدينة ساحلية استراتيجية على بحر آزوف، لحصار شديد من قِبل القوات الروسية، حتى أعلن الرئيس الروسي السيطرة على المدينة يوم 21 أبريل الماضي، رغم لجوء المئات من القوات والمدنيين الأوكرانيين إلى مصنع آزوفستال، وهو مجمع ضخم من الحقبة السوفيتية به شبكة من المخابئ والأنفاق، حيث حوصروا بقليل من المواد الغذائية والمعيشية.

وضع إنساني صعب بماريوبول بسبب استمرار المعارك

 وتُظهر صور حديثة لشركة "ماكسار تكنولوجيز" التُقطت بالأقمار الصناعية نهاية الشهر الماضي، دمارًا في كل مباني مجمع مصانع الصلب في آزوفستال تقريبًا.

وحتى الآن، ما يزال الجيش الروسي يسعى إلى تحقيق انتصارات عسكرية على الأراضي الأوكرانية، في الوقت الذي عدّل في خططه وسحب قوّاته من مناطق الشمال، للتركيز على "تحرير" إقليم دونباس حسب وجهة نظر موسكو، باعتباره الهدف الرئيسي من الحرب.

أهداف استراتيجية

يرى الباحث المتخصص في الشؤون العسكرية بالمركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية محمد منصور، أن ماريوبول تعد ثاني أهم مدن إقليم دونيتسك، والميناء الأوكراني الرئيسي على بحر أزوف، وقد سبق وحاولت القوات الانفصالية في دونيتسك عدة مرات السيطرة على هذا الميناء، منذ عام 2014، بهدف تحقيق الاتصال البري بين دونباس وشبه جزيرة القرم، لكن حالت مقاومة القوات الموجودة داخل المدينة دون ذلك.

أخبار ذات صلة

روسيا تسلم "بعض المدنيين" للأمم المتحدة بعد "إجلاء المصنع"

 وستساعد السيطرة على ماريوبول في تنفيذ موسكو خطّطتها للسيطرة على الساحل الجنوبي بأكمله لأوكرانيا، مما سيوحد المناطق الانفصالية الموالية لروسيا مثل دونيتسك ولوهانسك في شرق أوكرانيا مع شبه جزيرة القرم، والتي ضمتها روسيا في عام 2014، كما سيزيد من قدرة الوصول إلى منطقة ترانسنيستريا الموالية لروسيا، عبر الحدود الغربية لأوكرانيا مع مولدوفا.

وأوضح منصور، في تصريحات خاصة لـ"سكاي نيوز عربية"، أن اللافت في الأمر هو الرغبة الواضحة من جانب القوات الروسية في أسر كل العناصر الموجودة داخل المجمع، لذا ظلت تتحاشى اقتحامه بشكلٍ مباشرٍ خلال الأسابيع الماضية، قبل أن تشرف الأمم المتحدة على تنفيذ "ممر آمن" لإجلاء المدنيين مؤخّرًا.

وبشأن أهمية السيطرة الروسية الكاملة على هذه المدينة، أشار إلى أنها لا تقتصر فقط على وجودها المهم على بحر آزوف، ومرافقها البحرية، بل تكتسب أهمية صناعية كونها تضم مجموعة من أكبر المصانع الأوكرانية، خاصة مجمع "آزوفستال"، الذي يعد أحد أكبر مصانع الحديد والصلب في أوروبا، وهو ما يقتضي أن تفقد كييف نحو 40% من صناعاتها الثقيلة خاصة الحديد والفولاذ، بسيطرة موسكو على هذه المدينة.

إزالة مخلفات القوات الأوكرانية من ميناء ماريوبول

 وشدد على أن إتمام القبضة الروسية على ماريوبول، التي تبعد نحو 55 كيلومترًا عن الحدود مع روسيا، يضمن تنفيذ الشق الأول من خطة السيطرة على الساحل الأوكراني، بإنهاء أي وجود لكييف على بحر آزوف.

ولفت منصور إلى أن تلكؤ موسكو في السيطرة على مدينة ماريوبول، رغم سقوط السواد الأعظم من أحياء المدينة، يرجح بشكل قوي في رغبة الجيش الروسي بتأجيل إتمام السيطرة على المدينة، إلى أن تحل ذكرى يوم النصر 9 مايو الجاري، بحيث يتم إنهاء العمليات في هذه المدينة بالتزامن مع هذه الذكرى، وتحقيق انتصار ميداني يمكن تسويقه معنويًّا وإعلاميًّا وعسكريًّا.

واعتبر الباحث في الشؤون العسكرية أن هناك احتمالية أخرى إلى أن تكون ورقة ماريوبول بمثابة وسيلةٍ للضغط السياسي على كييف، بهدف ابتزازها عسكريًّا وسياسيًّا، بشكل مشابه لما كان الحال عليه خلال معارك كييف في المرحلة الأولى.

كييف: مخطط لإجلاء مدنيين من مصنع آزوفستال اليوم

 وشدد على أن موسكو تمتلك القدرة العسكرية على حسم معركة ماريوبول، وتحقيق إنجاز ميداني يتمثّل في السيطرة على كامل الساحل الأوكراني المطلّ على بحر آزوف، لكن سيبقى هذا الإنجاز منقوصًا وغير مكتملٍ بسبب استمرار احتفاظ كييف لوجود على ساحل البحر الأسود، الذي قد يشهد معركة فاصلة في ميناء "أوديسا".

واستهدفت روسيا بشكل متقطع ميناء أوديسا المطل على البحر الأسود.

وقبل ساعات، تعرّض مطار أوديسا في جنوب أوكرانيا لقصف صاروخي روسي، أدّى إلى تدمير المدرج من دون أن يسفر عن سقوط ضحايا، حسب ما أعلن حاكم المنطقة مكسيم مارتشنكو.