تطورات متسارعة يعيشها العالم، وخارطة جيوسياسية يعاد رسمها في ظل حرب أوكرانيا، فرغم أنها بين موسكو وكييف إلا أن تبعاتها أبعد من ذلك بكثير، وقد تعصف جزئيا أو كليا بالأوضاع وبالتحالفات الإقليمية والدولية القائمة كون الأطراف المعنية فيها متعددة.

ومع بداية العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، قال الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، إن ما يحدث نهاية النظام العالمي كما نعرفه وإذا لم تحصل روسيا على رد صارم وحاسم الآن، فإن هذا سيعني إفلاساً تاماً لنظام الأمن الدولي والمؤسسات الدولية المكلفة بالحفاظ على النظام الأمني العالمي.

فمنذ نهاية القرن الثامن عشر وحتى منتصف القرن الماضي كان النظام الدولي مركزه أوروبيا، تتولى فيه بريطانيا مسؤولية الحفاظ على توازن القوى العالمي ضد أي صعود محتمل لقوى جديدة، ثم ظهرت قوتان عظميان جديدتان هما الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد السوفياتي حيث انقسم العالم إلى كتلتين غربية بزعامة واشنطن وشرقية بزعامة موسكو حتى انهيار الاتحاد السوفياتي ومن ثم هيمنة أميركا.

وبعد نحو عدة عقود، لم تعد الولايات المتحدة قادرة على ممارسة الأدوار الدولية نفسها في ظل منافسة شرسة من الصين، العملاق الاقتصادي الذي يغزو العالم بالاستثمارات والتحالفات، وكذلك روسيا، التي لا تنفك في البحث عن أمجادها الضائعة وصعود دول أخرى.

أخبار ذات صلة

لافروف في الصين يتحدث عن "النظام العالمي الجديد"
بكين وحرب أوكرانيا.. إمساك العصا من الوسط في انتظار الوساطة

 عالم متعدد الأقطاب

وحول إمكانية تدشين نظام دولي جديد، قال الأكاديمي والمحلل السياسي، آرثر ليديكبرك، إنه لا شك أننا أمام ولادة نظام دولي جديد، فالتدخل العسكري في أوكرانيا ليس تحديا مع كييف فقط وإنما تحد للدول الغربية بقيادة الولايات المتحدة.

وأضاف ليديكبرك، في حديث لـ"سكاي نيوز عربية": "النظام الدولي في السابق كان يعتمد على أميركا وسياستها، الفترة المقبلة ستشهد عالما متعدد الأقطاب حيث ستكون دول، كالهند والصين، ضمن الفاعلين في هذا النظام الجديد، والدول التي تطور نفسها سيكون لها دور، ستكون هناك دول صاعدة لها دور محوري".

وأكد على أن الحرب الروسية الأوكرانية أظهرت واشنطن في موقف ضعف غير قادرة على ممارسة دورها بعد فقدانها قوة الردع عبر منع روسيا بالأساس من دخول الحرب، كما أنها بعد وقوع الأزمة اكتفت بحصار اقتصادي دون تدخل مباشر، في المقابل كان يتزايد التقارب الروسي الصيني وتتوطد العلاقات.

وأوضح أن الحرب الروسية الأوكرانية كشفت كثيرا من المواقف ورسمت تحالفات وسياسات جديدة، فهناك نحو 45 دولة امتنعت عن التصويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة لإدانة العمليات العسكرية الروسية في أوكرانيا، وباتت أميركا تفقد كثيرا من نفوذها جراء سياساتها مؤخرا تجاه العديد من الدول وخاصة في المنطقة العربية.

وأشار إلى أن هناك ضغوطا أميركية على حلفاء روسيا في محاولة لاستقطابها إلا أن ما يحكم العالم حاليا هو المصالح، فالهند رغم احتياجها إلى أميركا إلا أنها بحاجة إلى الطاقة من موسكو خاصة أنها تحصل عليها بسعر رخيص.

أخبار ذات صلة

هل تدفع الضغوط الأطلسية الصين نحو روسيا أكثر؟
أزمة روسيا والناتو.. هل يعود العالم لعصر 1955؟
ليست أميركا.. دولة واحدة قادرة على وقف أزمة أوكرانيا
خوف أميركي من "حرب عالمية".. وطلب خاص للجنود بأوروبا

 نموذج عالمي جديد

والجمعة، قال المتحدث باسم وزارة الخارجية الصيني، تشاو ليجيان، إن "إحدى النتائج المهمة لنجاح العلاقات الصينية الروسية هي أن الجانبين يرتقيان فوق نموذج التحالف العسكري والسياسي في الحرب الباردة"، مضيفا أنهما "يلزمان أنفسهما بتطوير نموذج جديد للعلاقات الدولية لا يتسبب في مواجهات أو يستهدف دولا أخرى".

وأضاف أن هذا نهج مختلف عن "عقلية الحرب الباردة" التي جسدتها دول معينة؛ في إشارة إلى النقد المعياري الذي تستخدمه بكين للتعاون الأميركي مع تكتلات مثل حلف شمال الأطلسي "الناتو" الذي تقول بكين إن توسعه هو ما أدى إلى التحرك الروسي في أوكرانيا.

علاقات القوى الكبرى

ووفق دراسة لمركز "تريندز" للاستشارات والبحوث فإن "الحرب الأوكرانية ستترك آثارا عميقة على النظام الدولي، فأحداث بهذا الحجم وفي هذه الجغرافيا لا بد أن يكون لها أثر تحويلي على علاقات القوى الكبرى، التي تمثل المحدد الأهم لطبيعة النظام الدولي".

أخبار ذات صلة

قمة الناتو.. تخوفات من تكرار سيناريو أوكرانيا بـ"دول البلطيق
30 عاما على سقوط الاتحاد السوفيتي.. حدث غير شكل العالم

 ولفتت إلى أن الحرب الأوكرانية منحت فرصة للغرب حتى يبث الحيوية والتماسك في مؤسساته العسكرية والاقتصادية، (حلف الناتو والاتحاد الأوروبي)، فبعد سنوات من التعثر وتراجع الفاعلية، وجدت الدول الغربية في المؤسستين إطارا مناسبا لتنظيم وتنسيق رد الفعل الغربي المشترك ضد التحرك الروسي في أوكرانيا، من خلال تعزيز التضامن الغربي، ودعم المؤسسات التي تجسد هذا التضامن وتقوية قدرة الدول الغربية على التنسيق بينها.

ووفق الدراسة، تسهم كل هذه التطورات في تعزيز قوة الكتلة الغربية التي تقودها الولايات المتحدة في مواجهة القطبين الدوليين اللذين تتزايد قوتهما؛ الصين وروسيا، والتحدي الأهم الذي يواجه الغرب في هذا المجال هو مدى القدرة على الحفاظ على هذا القدر من الوحدة لفترة طويلة.