في واحدة من أخطر حلقات مسلسل حرائق الغابات المستمرة في منطقة جنوب غرب تركيا منذ أكثر من عشرة أيام، دوى انفجار هائل داخل محطة "كيمركوي" الحرارية لإنتاج الكهرباء، بالقرب من بلدة ميلاس التركي، التي تقع جنوب مدينة أزمير على بُعد 200 كيلومتر.

الانفجار أحدث رُعباً بين السكان في المناطق القريبة من المحطة، فالحريق الذي وصل إلى داخل المحطة الحرارية، كان بالأساس قد اندلع في منطقة "موغلا" الحراجية، التي تبعد مسافة 100 كيلومتر شمال شرق المحطة، ولم تستطع فرق الإطفاء الخاصة إخماده طوال عشرة أيام متواصلة، إلى أن وصل للمحطة الحرارية، الأمر الذي يُهدد بوصوله إلى المحطات الحرارية الأخرى الموجودة في المنطقة، حيث توجد ثلاث محطات على الأقل بالقرب منها، في دائرة لا يزيد قطرها عن مائة كيلومتر.

ألسنة اللهب كانت قد تجاوزت الأسلاك المحيطة بالمحطة قبل ساعة واحدة من دوي الانفجار، بالرغم من كل الإجراءات الاحترازية التي قالت وزارة الطاقة التركية أنها اتخذتها. حيث بدأت فرق الإنقاذ بإخراج الموظفين وحتى فرق الحماية من داخل المحطة، الذين قُدروا بحوالي 300 شخص، حيث تم إجلائهم عن طريق إنزال جوي لحوامات من الجيش التركي، وبعدها بدأت أصوات صفارات الإنذار من الدرجة القصوى بالانطلاق، إلى أن دوى انفجار سُمع صوته على بُعد مائة كيلومتر من مكان حدوثه.

أخبار ذات صلة

لإطفاء الحرائق.. تركيا تستنجد بإسرائيل وتتجاهل دول أوروبا

 

أخبار ذات صلة

إخماد حريق بمحطة طاقة تركية وسط استمرار حرائق الغابات

 

رئيس بلدية منطقة "ميلاس"، التي تتبعها المحطة إدارياً، أعلن عن خطة طوارئ سريعة لإجلاء السكان المحليين بأسرع وقت ممكن. إذ قال محمد توكات إن قوات الجيش التركي أمنت العديد من الطرق نحو المدن الساحلية المحيطة بالمحطة، منها سُفن عسكرية تتسع لـ1500 شخص، راسية على الساحل القريب من البلدة. رئيس البلدية نقل أمراً حكومياً بإخلاء بلدات أورين وشامكلك وديركوي وبينار، مذكراً إن المتبقين من السكان يتحملون مسؤولية ما قد يحدث.

بيان رئيس البلدية أحدث هبة بين السكان المحليين، الذين توقعوا انتشار الحرائق في كامل المنطقة الجنوبية الغربية من تركيا، بما في ذلك المئات من المُدن والبلدات، حيث تُعتبر تلك المنطقة الثانية في تركيا من حيث الكثافة، بعد مدينة إسطنبول.

محطة الطاقة الحرارية التي دوى فيها الانفجار تنتمي لنوع المحطات التي تُنتج الكهرباء عن طريق الطاقة البخارية. وهذه المحطة التي تم بنائها خلال العام 1984، ثم أعيد تشييدها خلال العام 1993، تُعد من أكبر محطات الطاقة الحرارية في تركيا. فهي تنتج عبر ثلاثة وحدات كُبرى ما يُقدر بـ630 ميغاوات من الطاقة الكهربائية، حيث تعتمد عليها نصف مناطق جنوب غرب تركيا في تزويدها بالكهرباء. وخروجها الحالي عن الخدمة، وغالباً لن تتمكن فرق الصيانة من إعادة تجهيزها قبل سنة كاملة، يعني إن نصف سكان تلك المنطقة، المقدرين بحوالي ثمانية ملايين نسمة، سيبقون دون كهرباء لفترة طويلة.

المعلق السياسي التركي وِداد جبقجي عبر في حديث لسكاي نيوز عربية عن مخاوف السكان المحليين حول ما يحدث في المحطة الحرارية "منذ أسبوع على الأقل والحكومة تنقل إلى المواطنين تطمينات زائفة حول أن شبكة الأمان حول المحطة كفيلة بمنع حدوث أية كارثة، مما أخر إجلاء المواطنين أو اتخاذهم لأية إجراءات. فالسؤال الكبير الذي يُطرح حالياً يتعلق بمدى استعداد فرق الحماية والصيانة وسلامة الإجراءات التي لم تتخذها الحكومة التركية طوال هذه السنوات، في هذه المحطة وغيرها من البؤر شديد الحساسية في تركيا".

تابع جبقجي حديثه قائلاً "المخاوف الآن هي على وصول النيران إلى مخازن الطاقة التي تمد المحطة، والتي لا تبعد سوى 5 كيلومترات عن المحطة، وتضم أكثر من 20 ألف طن من الفحم الحجري سريع الاشتعال، حيث سيعني احراقها كارثة بيئية استثنائية، قد تقضي على الكثير من اشكال الحياة في تلك المنطقة".

لم تتمكن فرق الصيانة والمراقبة من دخول المحطة منذ حدوث الانفجار الكبير داخلها، لتقدير مستويات الحريق الذي أصاب أجزاء واسعة منها، بسبب شدة اللهب والحرارة الفائقة داخل المحطة، لكن الخبراء أكدوا إنها لن تكن صالحة للاستعمال خلال فترة طويلة من الآن. فالحريق وإن لم يكن قد دمر الأبراج الرئيسية الثلاث ضمن المحطة، المشكلة من ترسانات خرسانية، إلى أن حجم الحريق قد أطاح بكل المرافق التقنية وخزانات الوقود والأقسام الإلكترونية ووحدات التحكم ضمن المحطة، إلى جانب أكثر من 20 مرفقاً مدنياً داخلها. 

أخبار ذات صلة

إخلاء محطة طاقة حرارية يهددها حريق في تركيا

 

أخبار ذات صلة

قتلى وقرى خالية.. الحرائق تشتعل بتركيا واليونان وإيطاليا

 

تملك تركيا أربعين محطة حرارية لإنتاج الكهرباء، تساهم بإنتاج أكثر من 34 بالمائة من حاجة البلاد من الكهرباء، حيث أن 29 منها فقط تعمل بشكل مباشر، و11 محطة خاضعة للصيانة وإعادة البناء. لكن المحطات الحرارية التركية المُنتجة للكهرباء تُعد تقليدية، شبيهة بنظيرتها الصينية، أي تعمل عبر الفحم، وليس أية مادة أخر.

هذا التفصيل بالذات يؤثر على مدى خطورتها، فاشتعال الفحم الحجري بكميات كُبرى، تُقدر بعشرات آلاف الأطنان من المخازن، يُعد كارثة بيئية كُبرى، حسبما يُشير الخبراء التقنيون.

كذلك تفتقد المحطات التركية المنتشرة في مختلف مناطق البلاد للحماية الضرورية، فخلاف السياج الشائك، لا توجد تقريباً حمايات جدرانية أو نقاط إطفاء مسبقة محيطة بالمحطات، حيث تتداخل في بعض المناطق مع حدود الغابات تماماً، مما يزيد من خطر انفجارها.

الناشطون البيئيون كانوا يطالبون منذ فترة طويلة تحويل تلك المحطات إلى مراكز لإنتاج الطاقة الكهربائية النظيفة، لأن تركيا شهدت في سنوات حرائق مشابهة اقتربت من تلك المحطات، لكن حكومة حزب العدالة والتنمية كانت ترفض، حيث كانت تنهمك بمشاريع مرئية، مثل بناء الجسور العملاقة والقنوات المائية، حتى لو كانت دون أية فائدة قط.