بدأت معالم سياسة الرئيس الأميركي جو بايدن، تتبلور بشكل أوضح إزاء إيران، لجهة التأكيد على الانفتاح الأميركي على الحوار الدبلوماسي مع طهران، وعدم اتخاذ خطوات إضافية، وفي الوقت نفسه التمسك بأنه "لا خطط لرفع العقوبات المفروضة على إيران قبل انتهاء المباحثات مع الشركاء الأوروبيين"، وسط اشتراطات أميركية من أجل العودة للاتفاق النووي.

وتبعث إيران على الجانب الآخر برسائل متباينة، فهي من ناحية مُحاطة بعدة دوافع من أجل العودة للاتفاق والانخراط في حوار مباشر أو عبر وسطاء أوربيين مع الإدارة الأميركية، بخاصة في ظل الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعاني منه تحت وطأة العقوبات، ومن ناحية أخرى فإنها في الوقت نفسه تواصل سياسة الضغط الاستباقي، من أجل تقوية موقفها في أي مفاوضات قادمة، وتسعى في ذلك الإطار لتوظيف أدواتها لتوجيه رسائل معينة لواشنطن.

وكذلك فإن التوافق الأميركي- الأوروبي حول ما يتعلق بإيران، يبدو أكثر عمقا وقوة في الوقت الراهن، وعليه فإن طهران مُحاطة بجملة من التحديات التي تجعل سيناريوهات تقديم تنازلات من جانبها هي الأقرب للتوصل لاتفاق، وهو ما قد يستغرق وقتا ربما بعد الانتخابات الرئاسية في إيران والمقرر إجراؤها في يونيو المقبل.

وعلى الجانب الآخر، فإن إدارة بايدن لا تختصر الموقف من إيران عند الاتفاق النووي بشكله القديم، لكنّها تنظر إلى حتمية التصدي لتصرفات إيران المزعزعة للاستقرار في الشرق الأوسط، وفق ما أكده الرئيس الأميركي لدى حديثه بمؤتمر ميونخ للأمن، والذي قال خلاله: "علينا أن نتعامل مع أنشطة إيران المزعزعة للاستقرار في أنحاء الشرق الأوسط.. سنعمل مع شركائنا الأوروبيين وغيرهم بينما نمضي قدما".

وتهدف الإدارة الأميركية أيضا إلى توسعة الاتفاق ليشمل موضوعات أخرى على رأسها الصواريخ الباليستية.

أخبار ذات صلة

وكالة الطاقة الذرية تكتشف آثار يورانيوم في موقعين بإيران
بروكسل تعمل على تنظيم اجتماع مع أطراف الاتفاق النووي وأميركا
لندن وموسكو.. مواقف متضاربة بشأن رفع العقوبات عن إيران
حلفاء وخصوم على طريق عودة الأميركيين إلى الاتفاق النووي
واشنطن وطهران.. الاتفاق النووي

 سيناريوهات مفتوحة

وأمام ذلك المشهد تبدو جميع السيناريوهات مفتوحة في سياق التعامل الأميركي مع إيران.

ويشير الباحث المتخصص في الشأن الإيراني مدير المركز العربي للبحوث والدراسات في القاهرة، هاني سليمان، إلى أن إيران تتبنى استراتيجية وصفها بـ "الضغط الاستباقي" على إدارة بايدن، حتى يمكن أن تتحصل من خلالها على أكبر مكاسب ممكنة في المفاوضات، وهو سلاح وصفه بأنه "ذو حدين"، من وجهة نظره، لا سيما لجهة الموقف الأوروبي المتحرك ناحية التقارب مع واشنطن، وبما لا يخدم الموقف الإيراني.

وأمام ذلك الوضع المتأرجح، ثمة سيناريوهان اثنان رئيسيان يحكمان مستقبل العلاقة بين واشنطن وطهران من أجل العودة للاتفاق النووي، في إطار تحليل الوضع الراهن والرسائل الرمادية المتبادلة، ما بين تصعيد وضغط استباقي وكذلك إبداء الرغبة في الحوار، يحددهما سليمان في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" قائلا: "الأول هو استمرار الوضع على ما هو عليه دون تطور أوسع لفترة، حتى إجراء الانتخابات الرئاسية في إيران على أقل تقدير، في خط متواز مع استمرار الضغط المتبادل. بينما التصور الثاني فمرتبط أساسا بتنازلات قد تلجأ إيران لتقديمها، وربما يحدث ذلك عبر وساطات أوروبية".

ويشير سليمان إلى تمسك إيران حتى اللحظة بموقفها وما تقوم به من ضغط وتصعيد، من أجل تقوية موقفها في أي مفاوضات، على أساس أنها تدرك تماما أن البدايات مهمة في أي مسار تفاوضي، والبدء من هذه النقطة من شأنه التأسيس لموقف إيراني قوي في المفاوضات مع إدارة الرئيس بايدن، وبالتالي لا يريد النظام الإيراني حتى اللحظة تقديم أي تنازلات، خاصة بعد المؤشرات الأولية والمخاوف الحقيقية لدى الجانب الإيراني حول علاقات أوروبية أميركية جديدة وجيدة.

مواقف معاكسة

وبموازاة ذلك، ينظر محللون إلى أن "ميل إيران إلى بدء المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن العودة إلى الاتفاق النووي أمر مؤكد، رغم أن طهران اتخذت خلال الفترات الماضية عددا من الخطوات في الاتجاه العكسي، إلا أن هذا المسار وتلك الخطوات بالأساس ترمي في مضمونها إلى تسريع بدء المفاوضات".

إعلان تخصيب اليورانيوم حتى 20 بالمئة، والتصويت لصالح مشروع قانون "الإجراءات الاستراتيجية لإلغاء العقوبات" في نوفمبر الماضي، والاختبار المتكرر لصواريخ باليستية، وأخيرا تعليق العمل بالبروتوكول الإضافي الذي يسمح لمسؤولي الوكالة الدولية للطاقة الذرية بزيارة المواقع النووية في إيران، كل هذه الأوراق تلعب بها إيران وتأتي بالأساس من أجل الضغط على واشنطن لتسريع بدء التفاوض.

هذا ما يؤكده في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" من القاهرة، الباحث السياسي المتخصص في الشؤون الإيرانية، علي عاطف، والذي يشدد على أن "الولايات المتحدة تتفهم هذا الأمر جيدا، وأكدت على ضرورة عودة إيران للالتزام ببنود الاتفاق النووي وإيقاف الأنشطة النووية من أجل دخولها في المفاوضات".

أخبار ذات صلة

الولايات المتحدة تقبل دعوة أوروبية لإجراء محادثات مع إيران
أميركا وأوروبا: لا لإيران نووية.. والحل في الاتفاق
إيران تعتزم إجراء خطوة "نووية" مستفزة في منشأة تحت الأرض
إيران تبلغ وكالة الطاقة الذرية بإنهاء "التفتيش المفاجئ"
إيران لن تتفاوض مع واشنطن قبل عودتها للاتفاق النووي

الدوافع الإيرانية

وتدرك واشنطن في المقابل أن الدوافع الإيرانية متعددة وكثيرة من أجل العودة للاتفاق، ولعل أبرزها العوامل الاقتصادية، حيث يشير عاطف إلى موقف الدول الأوروبية المعنية بالأمر، والتي تتفق مع الولايات المتحدة حول ضرورة عودة التزام إيران ببنود الاتفاق النووي، بخاصة إيقاف الأنشطة النووية من أجل الجلوس على طاولة الحوار والمفاوضات مجددا.

وفي هذا الشأن، جاءت دعوة دول الترويكا الأوروبية، فرنسا وألمانيا وبريطانيا، أخيرا لإيران من أجل وقف إنتاج اليورانيوم. ومن ثم يبدو واضحا أن التوافق الأوروبي- الأميركي بشأن ما يتعلق بإيران قد تعمق وأصبح أكثر قوة.

ويلفت الباحث المتخصص في الشؤون الإيرانية في السياق ذاته إلى أنه "رغم الشد والجذب هذا لا يمكننا أن نقول إن المفاوضات لن تتم، بل على العكس تعد التحركات المذكورة آنفا مؤشرات قوية على الرغبة في بدء عملية التفاوض، إلا أنه يبدو أنها سوف تستغرق وقتا أطول مما كان متوقعا".

ويسترسل عاطف موضحا: "ينبغي هنا الإشارة إلى أن هناك عوامل أخرى من الممكن أن تؤثر بشكل كبير على مستقبل عملية التفاوض؛ من أبرزها الانتخابات الرئاسية الإيرانية المقررة في شهر يونيو المقبل. فإذا ما تمكن التيار الأصولي في إيران من تولي زمام شؤون الرئاسة، إلى جانب سيطرته على البرلمان، فإن عملية التفاوض ستكون أعقد بكثير، أو ربما، وهو احتمال ضعيف، لا تتم بالأساس".

وتريد الولايات المتحدة وأوروبا هذه المرة ضمان التزام إيراني مؤكد ببنود الاتفاق النووي حال تم التفاوض عليه مجددا، وذلك في الوقت الذي تناور فيه إيران باستخدام أوراق الضغط سالفة الذكر، ما يعني إجمالا أن عملية التفاوض وبدءها لن تكون سهلة.

أخبار ذات صلة

مجددا.. إيران تهدد بتقليص التزاماتها النووية
بيان أوروبي ثلاثي يندد بنشاط إيران النووي.. ويدعوها للتراجع
إيران تبدأ إنتاج اليورانيوم في انتهاك جديد للاتفاق النووي
هل ينجح المسار الدبلوماسي بين الولايات المتحدة وإيران؟
طهران تنتج اليورانيوم في "انتهاك جديد" للاتفاق النووي

  خطوات أميركية

ويعتقد الباحث في الشأن الإيراني، محمد علاء الدين، بأن تعيين إدارة بايدن الدبلوماسي المخضرم وخبير شؤون الشرق الأوسط روبرت مالي مندوبا للشؤون الإيرانية، يعني أنه من المؤكد أن الإدارة الأميركية الجديدة تريد التفاوض مع الجانب الإيراني.

ويلفت في تصريحات لموقع "سكاي نيوز عربية" إلى أن "مالي" من أبرز المختصين في شؤون الشرق الأوسط، وسبق له أن عمل ضمن إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما، وكان له دور واضح ومهم أثناء مرحلة المفاوضات التي جرت بشأن الملف النووي الإيراني، وهي المفاوضات التي استمرت لمدة تصل إلى عامين قبل التوصل لاتفاق في العام 2015.

لكنه يشير إلى أن إدارة بايدن تضع شروطا قبل الخوض في هذا التفاوض، من أبرزها العودة عن انتهاكات بنود الاتفاق والالتزام الصارم بمخرجات الاتفاق النووي الموقع في العام 2015، ولجم أنشطة إيران وأذرعها المنتشرة في الإقليم، بالإضافة إلى ملف حقوق الإنسان المتردي في داخل إيران.

وأكد علاء الدين أن الرئيس بايدن في كل مرة يؤكد في خطاباته أن السيناريوهات جميعها مطروحة، وورقة الدبلوماسية مرهونة بالتحركات الإيرانية.

وحول ذلك يقول علاء الدين: "ربما يكون خطاب بايدن الأخير يوضح بشكل جلي خطواته المقبلة، ومنها أنه يضع المصالح الأميركية والحلفاء في الشرق الأوسط في كفة واحدة وأن أي مساس ربما يفجر الأوضاع من جديد.. والأكثر وضوحا أن جولة المفاوضات مع إيران سيكون محورها الرئيس الجانب الأوروبي، بالتزامن مع ما انتهت إليه إجراءات إدارة دونالد ترامب السابقة".