تعيش منظمات المجتمع المدني في تركيا أوقات عصيبة، بعد أن تكشفت ملامح مشروع قانون جديد تنوي كتلة حزب العدالة والتنمية الحاكم تقديمه للبرلمان التركي أوائل العام القادم، من شأنه تكبيل الحريات.

مشروع القانون الجديد المؤلف من 47 مادة، سيفرض في حال إقراره مزيدا من سيطرة السلطة الحاكمة على المنظمات وكامل المجتمع المدني التركي، خصوصا تلك المنظمات التي تتوافق توجهاتها مع استراتيجية الحزبين الحاكمين، بالذات الناشطة منها في مجالات حقوق الإنسان والبيئة والحريات العامة والطلبة والثقافة.

ومشروع القانون الذي بدأت تتداوله الأوساط السياسية والمدنية التركية، يلاقي رفضا شاملا من قِبل قوى المعارضة التركية واتحادات المنظمات المدنية التركية، إلى جانب الملاحظات الجوهرية التي تبديها المنظمات المدنية الدولية.

فمشروع القانون الجديد يخول وزارة الداخلية التركية وضع يدها على أي منظمة مدنية في البلاد دون قرار قضائي بذلك، في حال اشتبهت الوزارة بعلاقة هذه المنظمة أو دعايتها لما قد تعتبره الوزارة "جهات إرهابية".

أخبار ذات صلة

تركيا تخطب ود إسرائيل لعودة العلاقات.. في انتظار "خطوة"
"شوكة في الحلق".. اليونان تحشد ضد مطامع الأتراك في ليبيا

ويعتبر أخطر ما في بنود مشروع القانون هو منح الأجهزة الأمنية التركية الاطلاع التام على كافة الوثائق والسجلات والحسابات البنكية لأية منظمة مدنية، حتى دون قرار اتهامي من القضاء، لكن فقط لمجرد الشبهة.

هذا الأمر يعني عمليا بأن الحزب الحاكم وعبر أذرعه في الأجهزة الأمنية سيكون مطلعا على كافة العلاقات ضمن عالم المجتمع المدني التركي، وتاليا ستكون هذه المنظمات دون استقلالية وحرية.

فوق ذلك، فإن مشروع القانون يخول وزارة الداخلية وضع مشرف على المنظمة المتهمة وليس وصيا، الأمر الذي يعني تاليا إمكانية تصرف المشرف بأصول وسياسات المنظمة.

تقييد للحرية

حزب الشعب الجمهوري "الأتاتوركي"، والذي يُعتبر أكبر أحزاب المعارضة التركية، أصدر بيانا عبر فيه عن معارضته المطلقة لمشروع القانون، مذكراً بإن مشروع القانون أنما يهدف لـ" إزالة الجمعيات والمنظمات المدنية من كونها فضاء لحرية الفعل المجتمعي، ويبتغي تحويلها إلى مجرد منظمات بدون هوية وسلطة وحماية قانونية، في دولة تعتبر نفسها قائمة على القانون الديمقراطية".

القوى المدنية والسياسية المؤيدة للأكراد في تركيا ترى أنها ستكون أكثر المتضررين من مشروع القانون إذا ما تم إقراره، لأن الضغوط الأمنية والسياسية التي تُمارس على حزب الشعوب الديمقراطية المؤيد للأكراد، ستمتد لأن تُمارس على كل القوى المدنية الناشطة في جنوب شرق البلاد حيث الأغلبية السكانية الكردية.

القيادية في حزب الشعوب الديمقراطية زليخة غولوم، كانت قد صرحت للموقع التركي لهيئة الإذاعة البريطانية بالقول إن مشروع القانون يستهدف "الإغلاق التام لمجال الحريات العامة في منطقة جنوب شرق البلاد".

وأضافت أن "المشروع يدفع منظمات المجتمع المدني لأن تكون تحت سيطرة مزاجية وزير الداخلية والأجهزة الأمنية، حيث تستطيع أن تجمد أصول المنظمات والجمعيات المدنية وقتما تشاء، وهو ما يتناقض مع مبدأ الحصانة الأولية التي من المفترض أن تتمتع بها الجمعيات المدنية. كذلك يُعتبر انتهاكا تعسفيا للحق في المُلك".

أما أيهان أبريل، القيادي في "الحزب الخيّر" المعارض، عبر عن مخاوف حزبه من مضامين مشروع القرار، الذي رآه أداة لتحويل أبسط نشاطات الجمعيات والنشاطات المدنية لأن تكون تحت سيطرة ومراقبة السلطة الحاكمة، معطيا مثالا عن حملات جمع المساعدات المالية للمرضى والحالات الإنسانية عبر الإنترنت، التي ستكون حسب هذا القانون، مطالبة بأخذ أذن مسبق، والإقرار اللاحق بكمية الأموال المتحصلة، الأمر الذي يعني بأن أبسط أشكال النشاط المدني ستكون مقيدة.

منظمة العفو: إسكات المجتمع المدني

مدير الاتصالات في فرع تركيا لمنظمة العفو الدولية "أمنستي"، طارق بيهان، انتقد مشروع القانون الجديد، الذي قال بأنه "يستهدف إسكات المجتمع المدني، لأنه يُدخل معايير جديدة في عملية التدقيق ومراقبة الحياة الداخلية للمنظمات المدنية، الأمر الذي يعني بأن المنظمات المدنية الصغيرة التي لا تستطيع أن توافي شروط المراقبة هذه عبر الموظفين الحرفيين لذلك.  

 جمعيات ومنظمات المجتمع المدني التركية التي بدأت بإصدار تقاريرها السنوية اعتبارا من أواسط هذا الشهر، أشارت إلى أن العام الحالي كان "الأسوأ" على الإطلاق في مجال الحريات المدنية في تركيا.

وعللت ذلك بأن السلطة السياسية الحاكمة لم تلتفت إلى كافة المحاذير والإشارات المحلية والدولية لتدهور أحوال الحياة المدنية في البلاد، خصوصا في القطاعات الحقوقية والثقافية والإعلامية والبيئية، التي تصرفت فيها السلطة الحاكمة خارج القانون تماماً، وأنها عبر مشروع قانونها الحالية أن تحاول شرعنة ما تمارسه.

وأوردت تلك المنظمات قضية الناشط المدني عثمان كافالا كنموذج لنوايا وسلوكيات السلطة الحاكمة تجاه القوى المدنية.

فكافالا بقي لسنوات متهما بإثارة الاحتجاجات البيئية التي اندلعت عقب قرار الحكومة التركية الاستيلاء على "حديقة غيزي" وسط مدينة اسطنبول. وبعد سنوات من المحاكمة، نال كافالا البراءة من التُهم الموجهة له.

لكن السلطة عادت لاعتقاله مرة أخرى في شهر فبراير من هذا العام، مختلقة تهمة جديدة له، بمزاعم تورطه في محاولة الانقلاب الفاشلة في صيف العام 2016، بالرغم من تحذيرات المحكمة الأوربية لحقوق الإنسان، التي اعتبرت الاعتقال قد تم "لأغراض سياسية وغير قانونية".