فتحت الجماعات المتطرفة في مالي جبهة قتال جديدة، عبر استغلال العنف العرقي بين 3 قبائل من أجل بناء "خلافة"، وذلك حسب تقرير لمجلة "فورين بوليسي" الأميركية.

والسبت الماضي، اقتحم 100 رجل مسلح يرتدون الزي التقليدي لقبائل عرقية الدوجون قرية أوجوساجو بوسط مالي، وقتلوا أكثر من 160 شخصا على الأقل من عرقية الفولاني، كما أحرق المسلحون نساء حوامل وأطفالا في منازلهم.

وتقول "فورين بوليسي" إن "التقارير الإخبارية الصادرة من مالي شحيحة، لكن يبدو أن المهاجمين هاجموا أيضا بلدة ويلينجارا المجاورة، التي تسكنها أغلبية من رعاة قبائل الفولاني".

واتهمت حكومة باماكو قبائل "الدوجون" بارتكاب المذبحة، لكن المجموعة نفت تورطها.

وهذا الهجوم ليس الأول من نوعه، بل هو أحدث حلقة وأكثرها فتكا في حملة العنف المنهجي ضد رعاة الفولاني، الذين يضطرون إلى الفرار من أراضيهم.

ففي بداية العام  الجاري، على سبيل المثال، هاجم مهاجمون قرية كولوغون، وقتلوا 37 شخصا من عرق الفولاني.

أخبار ذات صلة

مالي.. مقتل العشرات في حرب قبلية بإشراف القاعدة وداعش

وتقول المجلة الأميركية إن الآلاف من القوات الدولية في البلاد - وتشمل مجموعة الساحل لمكافحة الإرهاب (التي تضم تشاد وبوركينا فاسو ومالي وموريتانيا والنيجر)، وقوات من فرنسا، ومن بعثة الأمم المتحدة المتكاملة المتعددة الأبعاد لتحقيق الاستقرار في مالي – بحاجة إلى التحرك الآن لمنع وقوع المزيد من حوادث التطهير العرقي والهجمات الانتقامية واستهداف المجتمعات الضعيفة.

مجموعات عرقية 

ويسكن وسط مالي، من بين آخرين، قبائل الفولاني والدوجون وبامبارا. والأولى مجموعة عرقية مسلمة من الرعاة الرحل، ينتمي لها حوالي 38 مليون شخص في غرب ووسط إفريقيا.

أما قبيلة الدوجون، فهي تضم حوالي 800 ألف شخص ملحد (بينما يعتنق عدد صغير الإسلام والمسيحية)، وتعيش قرب الحدود مع بوركينا فاسو، ومعظمهم من المزارعين.

بينما تعد بامبارا هي أكبر المجموعات العرقية في مالي، ومعظمهم من المزارعين ويعتنق الكثير منهم الإسلام، علما أن آخرين منهم يعتنقون ديانات أخرى.

ونشبت الكثير من الخلافات بين هذه القبائل لأسباب تتعلق بالنزاعات على الأرض والمياه، وفي الماضي كانت الخلافات تحل عادة بسرعة، أما الآن فقد أصبح احتواء القتال أمرا صعب المنال.

ووفقا لتقرير "هيومن رايتس ووتش" لعام 2018 عن وسط مالي، أصبحت النزاعات معقدة بشكل متزايد مع نمو أفراد قبيلة الدوجون، مما زاد الضغط على مناطق الرعي في المناطق التابعة لعرقية الفولاني.

ويجبر تغير المناخ الدوجون على التنقل إلى مناطق جديدة بحثا عن الماء والعشب للرعي، الأمر الذي يؤدي إلى تفاقم التوترات بين القبيلتين، فيما نجحت الجماعات المتطرفة في استغلال هذه المخاوف المحلية لتأجيج "صراع الخلافة".

وكانت بعثة الأمم المتحدة لتحقيق الاستقرار في مالي ومجموعة الساحل حاصرت هذه الجماعات المتشددة شمالي البلاد، لكنها عادت لتنتشر وسط مالي، ومنها امتدت إلى بوركينا فاسو، وذلك منذ عام 2015.

"اثنتان من هذه الجماعات تثيران قلقا خاصا"، بحسب المجلة الأميركية، الأولى هي جماعة "نصرة الإسلام والمسلمين"، وهي تابعة لتنظيم القاعدة وأعلنت مسؤوليتها عن الهجوم الذي وقع في مارس 2018 على السفارة الفرنسية في واغادوغو عاصمة بوركينا فاسو، وعلى قوات البلد ذاته القريبة من قرية تويني في ديسمبر 2018.

أما المجموعة الأخرى فهي "أنصار الإسلام" التي تشكلت عام 2016، وحصلت على دعم من القاعدة و"داعش" في الصحراء الكبرى.

ورغم أن الجماعات الإرهابية لم تسيطر على أراض في وسط مالي، فإنها تمكنت من إنشاء قواعد للهجوم على القرى والبلدات القريبة.

وتستهدف هذه الجماعات قبائل الدوجون والبامبارا، وكذلك أولئك الذين ينتمون إلى قوات الأمن - أو يقدمون معلومات لها، فجماعة "نصرة الإسلام والمسلمين" على سبيل المثال، نفذت هجمات تقول إنها انتقام لاستهداف الفولاني.

وبحسب "فورين بوليسي"، سعت الجماعات المتطرفة إلى استغلال "الضغائن التي يضمرها أفراد مجموعة الفولاني العرقية للدوجون"، لتجنيد أكبر عدد منهم لديها وتوسيع سلطتها في وسط مالي.

وتقول المجلة إن الجماعات المتطرفة استغلت "تعاسة الفولانين بسبب فقدان أراضيهم لصالح الدوجون في تجنيدهم بأعداد كبيرة، ربما بالمئات إن لم يكن الآلاف، كما انضم بعض مدنيي الفولاني إلى هذه الجماعات المرتبطة بالقاعدة، مدفوعا بالغضب من الفساد الحكومي، وارتفاع معدلات الجريمة وحالات الاضطهاد الحكومي".

ووفقا لتقرير "هيومن رايتس ووتش" لعام 2018، فإن الزعيم الفولاني أمادو كوفا ديالو كان له تأثير كبير في تجنيد السكان المحليين.

بدورها، حملت قبيلة الدوجون عرقية الفولاني بأكملها مسؤولية دعم وتحريض الجماعات الإرهابية في وسط مالي.

وكانت مجموعة الأزمات الدولية أشارت، في تقرير لها في مارس، إلى أن التحالف بين الجماعات المتشددة والبعض من عرقية الفولاني ليس بالأمر الطبيعي.

وأشارت "فورين بوليسي"، إلى أن هذه الجماعات لا تهتم بمعالجة "الضغائن المجتمعية بين الفولانين، مقارنة باهتمامها بإنشاء الخلافة. كما أنها تلجأ إلى الفولانيين حتى لا تكون وحيدة في مواجهة حكومة مالي".