وضعت مذبحة كرايستشيرش رئيسة وزراء نيوزيلندا جاسيندا أرديرن أمام اختبار صعب، قد يلمع صورتها بعدما أظهرته من هدوء وتعاطف تجاه محنة كبيرة تتعرض لها البلاد، أو قد يثبت ظن المتشككين في قدرتها على الزعامة، بعدما قالت إنها كانت على علم بالهجوم الإرهابي على المسجدين قبل وقوعه بـ9 دقائق.

ففي الساعات التي تلت مقتل 50 مسلما على الأقل على يد إرهابي أسترالي، الجمعة، في حادث أصاب النيوزيلنديين بالصدمة، أدارت أرديرن (38 عاما) الدفة بنجاح، حسبما وصفت وكالة "رويترز".

وسارعت أرديرن إلى وصف أسوأ حادث قتل جماعي تتعرض له نيوزيلندا في أوقات السلم بالإرهاب، ووصفت اليوم بـ"أسود أيام نيوزيلندا"، وعكفت على طمأنة البلاد التي ظلت إلى حد كبير بعيدة عن العنف والخوف، الذي أصاب دولا أخرى في العقدين الماضيين.

وبعد يوم من الهجوم، كانت أرديرن على رأس مجموعة تضم شخصيات من أحزاب مختلفة لزيارة أسر الضحايا وأفراد في الجالية المسلمة.

ووضعت أرديرن غطاء أسود للرأس، وعانقت أقارب الضحايا وحرصت على مواساتهم، كما استمعت إلى آرائهم بشأن ما ينبغي فعله.

وقالت داليا محمد التي فقدت حما ابنتها، أحد المتطوعين في مسجد النور، حيث سقط أكثر من 40 قتيلا: "عندما جاءت رئيسة الوزراء مرتدية غطاء الرأس، كان هذا حدثا له معنى كبير بالنسبة لنا".

وسارعت أرديرن أيضا إلى جعل تشديد قوانين السلاح أولوية لحكومتها، وهي قضية قد تكون صعبة من الناحية السياسية.

وقال برايس إدواردز من جامعة فيكتوريا في العاصمة ولنغتون: "كان أداء أرديرن مذهلا وأرى أنها ستحصل على إشادة كبيرة من الداخل والخارج على حد سواء".

أخبار ذات صلة

سكان نيوزيلندا يرقصون "الهاكا" حدادا على ضحايا المسجدين
نيوزيلندا كانت على بعد 9 دقائق من إحباط مذبحة المصلين

"قناع" الزعيمة

وذاع صيت أرديرن خلال انتخابات نيوزيلندا عام 2017، ولاقت الثناء في إطار موجة جديدة من الزعماء الشبان التقدميين من أمثال الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، ورئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو.

وتميزت أرديرن بكونها ثاني رئيسة وزراء تضع طفلتها وهي في المنصب، بعد رئيسة الوزراء الباكستانية الراحلة بينظير بوتو.

كما ظهرت رئيسة الوزراء النيوزيلندية في البرامج الحوارية الأميركية، واصطحبت رضيعتها معها إلى الأمم المتحدة العام الماضي.

لكن أرديرن لم تسلم من شكوك المنتقدين الذين قالوا إن شهرتها قناع يخفي وراءه ضحالة وعجزا.

واستغل المشككون قول رئيسة وزراء نيوزيلندا، الأحد، إن مكتبها تلقى قبل 9 دقائق من بداية الاعتداء على المسجدين في كرايستتشيرش، "بيانا" من المسلح.

وأوضحت أرديرن لصحافيين "كنت واحدة من أكثر من 30 متلقيا للبيان الذي أرسل قبل 9 دقائق من حصول الاعتداء" على المسجدين.

وأشارت إلى أن البيان "لم يتضمن أي موقع أو تفاصيل محددة"، مضيفة أنه تم إرساله إلى أجهزة الأمن خلال أقل من دقيقتين بعد استلامه.

ومع استكمال أرديرن عامها الأول في المنصب شهر أكتوبر، نسب معلقون سياسيون الفضل إليها في جعل سياسة الحكومة تميل إلى اليسار، لكنهم أشاروا أيضا إلى أنها لم تحقق الكثير، وقالوا إنها غير حازمة وحققت تقدما بطيئا.

وواجهت حكومة أرديرن إضرابات حاشدة قام بها المعلمون في المدارس الابتدائية والعاملون في التمريض وسائقو الحافلات للمطالبة برفع الأجور، لكن دون أن يلوح حل في الأفق.

وأعطت مأساة كرايستشيرش، أرديرن فرصة للحديث إلى النيوزيلنديين، حيث قالت في خطاب وطني بصوت غلبته العاطفة في بعض الأحيان، إن الهجوم لم يقع في نيوزيلندا لأنها أرضا خصبة للكراهية أو العنصرية أو التطرف، بل "لأننا نمثل التنوع والرفق والتعاطف. ولأننا موطن لمن يشاطرنا القيم، وملاذ لمن يحتاجون إلى ملاذ. وهذه القيم لن ولا يمكن أن تهتز بسبب هذا الهجوم".