يعتبر اليزيديون أو الأيزيديون جماعة مسالمة. يعيشون بمعظمهم في جبال منطقة سنجار غربي الموصل في العراق. إلا أن هذه الأقلية المنغلقة على معتقداتها وأسلوب حياتها لم تعرف السلام منذ مئات السنين.

تتعدد الروايات عن هذه الجماعة وتتنوع. إلا أن روايتهم تقول إن مجموعة من المؤمنين استوطنوا في منطقة لالش منذ 4 آلاف عام. وإنهم أي اليزيديون كانوا أول من سكن الأرض حين خلق الكون.

وفي لالش إحدى مناطق دهوك، دفن الشيخ عدي بن مسافر أحد شيوخ الصوفية. الذي وصل إلى المنطقة في القرن الثاني عشر في مهمة لإحياء الإيمان ومنح المؤمنين من اليزيدية المعرفة الضرورية للحفاظ على الدين ونقله من جيل إلى آخر. ويقول المؤرخون إن الشيخ عدي شيد معبد لالش بنفسه.

اليزيديون.. أبناء الشمس

وتعتبر اليزيدية أكثر من عقيدة. فهم يقبلون على الخالق من خلال العناصر الطبيعية مثل الشمس والقمر والماء والنار والهواء. والشمس لديهم أكثر هذه العناصر قداسة، لأنها باعتقادهم نور الخالق الذي يوجههم إلى طريقه.

وليس لدى اليزيديين كتاب مقدس يوضح لهم تعاليم دينهم. لكنهم يتبعون بعض النصوص مثل الكتاب الأسود. ويصلي اليزيديون 3 مرات يوميا متخذين الشمس قبلة لهم، ثم يقبلون الأرض.

ومن العادات السائدة لدى اليزيديين أن يتخذ كل واحد منهم أخا أو أختا ليرافقه في حياته، ويكون أنيسا له بعد الموت. ولا يسمحون لمعتنقي اليزيدية الزواج من أصحاب الديانات الأخرى.

ومن ضمن معتقداتهم أيضا، أن هناك 7 ملائكة أحدها طاووس الملائكة أو ما يعرف بطاووس ملك، الذي قدر له السيطرة على العالم. وشخصية الطاووس هذه أخذت من ديانات أخرى شرق أوسطية.

وعاصر اليزيديون على مر التاريخ العديد من الحضارات كالبابلية والسومرية والآشورية. وترجع ديانتهم أيضا إلى بقايا الديانة الفارسية القديمة مثل الزرادشتية التي تؤمن بالنور والظلام. والنور يمثله في هذه الديانة الغابرة الإله (يزدان). بينما الظلام المستولي على العالم يمثله عند اليزيديين "طاووس ملك".

وارتباط اليزيدية بالزرادشتية لا يعني التشابه التام بينهما. فلا وجود للمبدأ المزدوج للخير والشر عند اليزيديين. في حين يعتقد الزرادشتيون أن هذين المبدأين يشكلان أساس عملية الخلق. ولعل هذا الاختلاف هو الذي تسبب بإثارة وجهة النظر الخاطئة التي مفادها أن اليزيديين عبدة للشيطان المتمثل بالطاووس.

رحلة البحث عن السلام

يقول مؤرخون إن اليزيديين يمثلون الشعب الكردي الأول الذي عاش قبل حوالي 4 آلاف عام، فيما يعرف بشمال غرب إيران حاليا. ما يعني أن تاريخهم يتداخل من الناحيتين الثقافية والسياسية مع تاريخ الأكراد.

وتسكن الغالبية من الطائفة اليزيدية في العراق أساسا. حيث يشكلون نسبة 80% من مجمل معتنقي الديانة في العالم. ويصعب تقدير أعداد هذه الطائفة في العراق، حيث تتراوح التقديرات بعدة مئات من الآلاف. كما أنهم يقطنون تركيا وإيران وروسيا وتعيش جاليات قليلة العدد في لبنان وسوريا وأرمينيا.

وعلى الرغم من ثراء ثقافتهم، إلا أنهم لم ينعموا بالعيش في سلام على أراضي أجدادهم. فعلى مدى الـ700 عام الماضية، تعرض آلاف اليزيديين إلى القتل، وأجبروا على ترك أراضيهم والتخلي عن ثقافتهم.

وخلال فترة الحكم العثماني تعرض اليزيديون لتمييز ديني، ما جعل البعض منهم يهرب إلى المناطق الجبلية.

وأجبرت السلطات العثمانية مجموعات منهم في ملاحقة بني جلدتهم لأعالي الجبال. ومحاولة إبادة أفرادهم والقضاء على من تبقى من اليزيديين المتهمين بـ"الردة".

كما أن الغزو المغولي في القرن الثالث عشر، جلب نصيبه من الرعب والبؤس. فقد قام الغزاة بقتل اليزيدين الذين أظهروا أقل مؤشر على المقاومة والمعارضة.

وفي العصر الحديث عاش اليزيديون رعبا آخر، فهجروا إلى مدينة الموصل شمالي العراق في ظل حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين. وأجبروا على تسجيل أنفسهم كعرب. بالإضافة إلى ممارسات أخرى تسببت برفع نسبة الأمية والفقر.

وبعد الغزو الأميركي على العراق، وسقوط نظام صدام حسين، وجد اليزيديون فسحة أمل ببناء عراق جديد وتطوير كردستان. واستطاعوا انتزاع الاعتراف بهويتهم وثقافتهم إلى حين.

ولم تطل فترة السلام التي نعم بها اليزيديون، حتى أعاد عام 2007 لهم ذكريات التهجير والقتل فيما سمي بـ"مذبحة اليزيدين"، حين قتل المئات على يد جماعات مسلحة مرتبطة بتنظيم القاعدة.

وقد سرد عدد من الباحثين العراقيين المعاصرين أمثال سعيد الديوه جي، وعبد الرزاق الحسني، وعبد الحسين شعبان عديدا من وقائع القتل والفتك والإبادة التي تعرض لها اليزيديون طيلة القرون الماضية. حتى كاد نسلهم يندثر.

وفي الأيام القليلة الماضية، فر عشرات الآلاف من سكان بلدات استولى عليها تنظيم "الدولة الإسلامية" من قراهم شمالي العراق إلى إقليم كردستان.

وقال المتحدث باسم الأقلية اليزيدية العراقية جوهر علي بيغ، إن "مسلحي الدولة الإسلامية قاموا بتخيير أبناء الطائفة اليزيدية بين التحول إلى الإسلام أو دفع الجزية أو مغادرة منازلهم، أو الموت".

وبحسب مراقبين، لم يعد أمام اليزيديين اليوم فيما يبدو، سوى خيارين قاسيين؛ إما الذوبان في الجماعات المجاورة للاستقواء بها إلى حين، أو الانسحاب من الوجود والاستسلام للاندثار الكامل.

وبالتالي فقد صارت ديانتهم فى حكم المندثرة. أو التي في طريقها للاندثار؛ لأن التطورات الكبيرة التي لحقت بعقائدهم والهجمات المتعاقبة على أتباع هذه الديانة، إضافة إلى المتغيرات الدولية العاصفة من حولهم، جعلت من احتفاظهم بالخصوصية أمرا عسير المنال. حتى في المناطق النائية التي يعيشون فيها.