يسعى الروائي تيسير خلف، في عمله الأخير "موفيولا"، إلى استعادة حقبة مجهولة من تاريخ فلسطين والعالم العربي، هي حقبة ما بين الحربين العالميتين، من خلال شخصيات تاريخية معروفة لعل أهمها الحاج أمين الحسيني (المفتي).

ويستخدم الكاتب سيرة حياة مخرجين سينمائيين فلسطينيين، هما إبراهيم حسن سرحان، ومحمد صالح الكيالي، كي يبني عالمه الروائي معتمداً على تقنية "الموفيولا"، الآلة القديمة لمونتاج الأفلام.

ومن خلال هذه التقنية نجح خلف في بناء معمار روائي يعتمد منطق الشريط السينمائي، في محاولة منه للاستفادة من موضوعه في خدمة بنية الرواية.

وتبدأ الرواية من مجزرة صبرا وشاتيلا عام 1982، حيث يقيم المخرج إبراهيم سرحان منذ خروجه من مدينته يافا، ويعيش في المخيم مجهولا منسيا يعمل في السمكرة، والحقيقة أن هذا المصير كان يلاحقه طوال حياته، لكنه يتحقق في نهاية المطاف، أما مشهد النهاية فهو جنازة إبراهيم سرحان في المخيم عام 1987، وقت حرب المخيمات.

وبين هذين الحصارين يفرد الروائي شخصياته بدءا من السينمائيين الفلسطينيين الرائدين إبراهيم وبدر لاما، ومروراً بمفتي فلسطين ورحلته إلى العراق، ثم إلى أوروبا، ليصل إلى قصر الدوتشي موسوليني ثم الفوهرر هتلر، وصولا إلى هروبه من معتقله الفرنسي بعد هزيمة الألمان في الحرب، ووصوله إلى القاهرة، حيث يتسلم مكتب فلسطين في الجامعة العربية التي سرعان ما يغادرها إلى زاوية قصية من الصمت وانتظار الموت.

أما المخرج محمد صالح الكيالي فيلتقي بالمفتي في إيطاليا وألمانيا، ويعمل لفترة من الوقت ثم يعتقل عند عودته، ويحاول أن ينجز أول فيلم وثائقي عن قضية فلسطين، فينجح بشكل جزئي، قبل أن يتعلق بالحلم الناصري، ويموت ميتة مأساوية في ليبيا في اللحظة نفسها التي تطأ فيها أقدام الرئيس المصري أنور السادات مطار بن غوريون عام 1977.

وفيما يجتر المخرج إبراهيم سرحان ذكرياته في مخيم شاتيلا البيروتي بعد رحلة سينمائية مليئة بالخيبات والأحلام المجهضة، يتعرف على مخرج ثوري "أرعن" يحاول أن يتطفل على خصوصياته، بعد أن يعرض على أهالي المخيم "فيلما ثوريا" لا يعني لهم شيئاً.

وثمة قصص كثيرة بين جنبات هذه الرواية التي اعتمدت تقنية التسجيل والتوثيق، فهناك الضابط الفلسطيني ذو الكفل عبد اللطيف، الذي هبط ورفيقه حسن سلامة مع مجموعة من الضباط الألمان بالمظلات في فلسطين عام 1944 لكي ينطلقوا في تأسيس مقاومة شعبية ضد الإنجليز والصهاينة، وقصص تحمل في طياتها ثنائيات الخيبة والأمل، ويجمعها الفقد والخسارة ومفتي فلسطين الذي يبدو كأنه محور الرواية، والخيط الذي يربط جميع الشخصيات.. بما في ذلك المخرج إبراهيم لاما.

ما يدهش في هذا العمل الروائي كمية الوثائق التي يحشدها الكاتب في روايته، بالإضافة إلى الأفلام التي تبدو حاضرة في كل ثنايا العمل، إذ أشار فعليا إلى هذه المراجع التي بنى عليها عمله، وهي مذكرات الحاج أمين الحسيني، وذو الكفل عبد اللطيف، والأرشيف الشخصي للمخرج محمد صالح الكيالي، وأرشيف المركز القومي للسينما في مصر، ومعهد "لوتشييه" السينمائي الإيطالي، وغير ذلك من أوراق ووثائق شكلت فسيفساء جميلة، أكسيرها "موفيولا الحياة" في مواجهة ظلامية النكبات وقساوتها.