طفلان بلباس البحر يستندان علي من يبدو أنه أبوهما وبجوارهما سيدات العائلة بفساتينهن الملونة التي تكشف أذرعهن وقد ربطن مناديل مزركشة صغيرة تتوسط شعورهن، فيما تجلس فتاة علي الأرض مرتدية لباس بحر أحمر. ولا تكاد مظلة البحر الملونة تحجب أشعة الشمس عنهم لكن بدا أنها تفصلهم عن الخلفية المكونة من صورة فوتوغرافية لأحد ميادين القاهرة.

أسفل لوحته التي تعبر عن مرحلة الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي، فترة ازدهار الثقافة والفنون في مصر، جلس الفنان التشكيلي محمد عبلة في مرسمه حيث تتناثر أنابيب وعلب الألوان وتستند بعض لوحاته علي حائط شقته القديمة في وسط المدينة.

ويؤكد عبلة لـ"سكاي نيوز عربية" علي ضرورة حماية حرية الإبداع في هذه المرحلة التي تغيرت فيها الخريطة السياسية في مصر لتشهد صعود التيار الإسلامي إلى سدة الحكم.

"الإخوان المسلمون لن يتعرضوا للفن وليست لديهم النية للدخول في هذه الإشكاليات الآن وأمامهم مشكلات مصر الآنية الجمة، لكنهم سيتركون الهجوم علي الفن للسلفيين وهذا أخطر"،  حسب رأي عبلة.

وكان الرئيس المصري الجديد محمد مرسي، ذو الخلفية الإسلامية، قد أعلن احترامه للفن والإبداع في خطاب له في ميدان التحرير الجمعة الماضية.

ويخشى عبلة من "محاولات لعرقلة مسيرة الفن عبر قيام محامين ذوي توجه متشدد برفع دعاوي ضد الفنانين واتهامهم بتهم مثل خدش الحياء العام أو إفساد الذوق العام أو ازدراء الأديان مثلما حدث مع الفنان عادل إمام".

وكانت محكمة قد أصدرت حكما بالحبس ثلاثة أشهر على إمام بتهمة ازدراء الأديان وذلك إثر دعوى قضائية ضده بسبب أفلام قدمها وكان ينتقد فيها الإسلاميين.

ويلفت عبلة إلى الجدل حول مصطلح " الفن الملتزم" وهو ما يعتقد أنه سيثار في المرحلة المقبلة.

ويوضح:" يقولون نعم للفن الملتزم ولكن ما هو الفن الملتزم من وجهة نظرهم؟.. تفتح هذه الكلمة الباب لمئات التأويلات التي تحجم الإبداع".

ويكمل عبلة التعبير عن مخاوفه بالقول: "بالطبع سيكون هناك هجوم علي الفن، سنناقشهم بعض الشيء ونتشاجر بعض الشيء..  والمسئولية تقع علي المثقفين، حيث يجب تسليحهم بالوعي اللازم للدفاع عن عملهم".

"المعركة قادمة لا محالة وأتمني أن تكون فكرية فقط، وألا تدخل طور العنف".

ويعتقد عبلة أن "على الفنانين الاستمرار في الإبداع دون الالتفات لهذه المحاولات"، مشيرا إلى أن "احترام القانون ضمان آخر لردع أي اعتداء علي شخص أو دار عرض".

ويري أن "علي الفنان أن يتمتع بثقافة دينية ليقابل الحجج بالحجج".

"ولابد أيضا من استقطاب الشباب إلي الفن والنشاط الثقافي "، حسب عبلة الذي أسس مركزا في محافظة الفيوم وسط البلاد يموله من ماله الخاص لتعليم الفنون التشكيلية المختلفة مجانا.

وبحسب عبلة، يهدف المركز إلى تنمية الحس الجمالي واكتشاف المواهب الفنية بين الطبقة الفقيرة والريفية والتي تمثل شريحة كبري في مصر. ويقول:" أشعر أن هذا دوري وسوف يحاسبني عليه ربي".

ودعا الفنان التشكيلي الأحزاب المدنية وأصحاب رؤوس الأموال من الليبراليين إلى دعم الثقافة والفنون " لأنه من دون ذلك، سيكون الضياع مصير هذا الجيل"، على حد تعبيره.

وخوف البعض من الإسلاميين لا يمنع التواصل معهم، حسب عبلة الذي قال إنه "منذ ثورة 25 يناير 2011 وما خلقته من تفاعل بين أطياف في المجتمع كانت تعيش في عزلة عن بعضها، لاحظت انفتاحا نوعيا لدي شباب الإخوان والسلفيين، وهو وإن كان بسيطا إلا أنه يعد تغيرا".

ويلقي عبلة بمسؤولية تراجع الحس الجمالي وتنمية المواهب في مصر إلي النظام القديم وخاصة في عهد الرئيس السابق حسني مبارك، قائلا : "النظام القديم مسؤول فلقد فتح بالرشوة والفساد والمحسوبية الباب لقنوات تليفزيونية خربت عقول الناس ولم يتحرك للدفاع عن الفن والارتقاء به".

"اختفي الحس الجمالي من حياتنا، فمصر ظلت بلدا جميلا حتي الستينيات من القرن الماضي حيث الشوارع نظيفة ومنمقة والناس أنيقة.  ولكن عُهَد بالثقافة والأوجه الجمالية إلي أناس غير مختصين بهذه الشؤون".

ولفت عبلة إلى اختفاء "فصول الرسم والموسيقي والتربية الرياضية بالمدارس في عهد مبارك".

وتساءل:"  فما بالك بما يمكن أن يحدث حاليا إذا عُيِن سلفي وزيرا للتعليم؟".

ولم يطلب أحد من الأحزاب الإسلامية حتى الآن الحصول على حقيبة وزارة التعليم في الحكومة الجديدة التي يسعى الرئيس الجديد لتشكيلها من مختلف الأطياف السياسية.

ويقول عبلة إنه لو حصل السلفيون على وزارة التعليم " يجب أن نحتج ونتظاهر .. فهي مسألة حياة أو موت"، على حد تعبيره.