بدأت المرأة التونسية في اقتحام عالم المهن والحرف التي حُسبَت على الرجال منذ زمن طويل. واستطاعت بنات حواء في تونس التميز في مجالات مهنية ذكورية نسبيا، من بينها تعليم قيادة الحافلات وفن الحدادة ولحام الحديد.

وبعد سنوات أمضتها هذه المرأة في تعلّم قيادة الناقلات الكبيرة، من حافلات وشاحنات نقل وغيرها.. هاهي الآن تقوم بذات الدور.

تعليم قيادة الحافلات والشاحنات

تقود ريم بشكل يومي تقريبا حافلة التعليم خاصتها إلى منطقة التدريب لتبدأ في إعطاء دروس قيادة هذا النوع من الناقلات.. عموما، لا يطمئن التونسيون في تعلم قيادة السيارات السياحية العادية سوى للمعلمين من الرجال، لكن حتى الآن يجد كثيرون صعوبة في تقبل أن يتلقوا التعليم في هذا المجال من امرأة.

تقول ريم عوني وهي مدربة قيادة حافلات في تونس، إنها تعشق التحديات منذ صغرها، وأنها تمكنت رغم كم الأحكام المسبقة عليها من الوصول إلى مستوى عال من احتراف مهنة حسبت على الرجال لعقود..

تضيف ريم في حديث لبرنامج من هناك الذي يبث عبر "سكاي نيوز عربية": "أنا أول امرأة تونسية أقوم بتعليم سياقة الحافلات مباشرة للمهنة وأنا إنسانة أعشق التحديات. بدأت عملي هذا منذ سنوات، ومنذ أن كنت صغيرة كنت أفكر في اقتحام هذا المضمار، وأن أعمل في ميدان صعب".

وتوضح: "لم يؤمن أحد بقدراتي، وكل من أحدثه عن مشروعي منذ حتى قبل أن أبدأ يتساءل: إلى أين ستصلين؟ وهو التساؤل الذي جعلني أصل إلى ما أنا عليه والحمد لله وأنا الآن عملي هو مدرب تعليم سياقة حافلات وهو عمل صعب جدا وبالعزيمة وصلت ولدي سمعة الآن".

وترى المعلمة ريم أنها تحدت نظرة المجتمع الذكورية لعملها، بل وصناعة اسم مهم في ميدان تعليم قيادة الحافلات والشاحنات الثقيلة.

وعلى الرغم من انفتاح المجتمع التونسي وإدراك مكانة المرأة المهمة ضمن منظومات العمل والإنتاج في تونس، يثير وجود امرأة في مجال تعليم قيادة الحافلات ترددا في البداية لدى كل متعلم.. وقد كسبت ريم هذا التحدي.

وتشرح ريم عوني لـ"سكاي نيوز عربية: "هذا العمل صعب ولم يكن أبدا سهلا. ومعاملاتي في الحقيقة كلها مع الرجال، فعلى الرغم من عدم تقبلهم لطريقة سياقة المرأة للسيارة العادية في الطريق يوميا، فما بالك أن أقوم أنا كامرأة بتعليمهم سياقة الشاحنات".

وتضيف: "لم يكن كل هذا سهلا بالمرة. لقد قدمت العديد من التضحيات لأصل إلى هذا المستوى واسمي معروف في هذا الميدان، الحمد لله وهو تحدي بيني وبين نفسي وبيني وبين أناس لم يثقوا في بل وحاولوا تعطيل أحلامي لكنني والحمد لله لم أفقد الثقة في نفسي".

ولريم متدرّبوها الذين يختارونها وفق معايير عديدة لعل أبرزها سمعتها وما يقوله من تدرّب على يديها نها بعد انتهائهم من فترة التدريب على القيادة.

يقول متدرب على قيادة السيارات: "صحيح أن تعليم السياقة بشكل عام يختص به الرجال، لكن توجد العديد من النساء أثبتوا أنهن يستحقن عن جدارة أن يعلمن القيادة".

ويضيف المتدرب لـسكاي نيوز عربية": "ريم سمعتها سبقتها وهي مرأة تحب عملها وجدية جدا ولهذا اخترتها لتعليمي سياقة الحافلة وأيضا زوجتي التي تتعلم عندها سياقة السيارة السياحية العادية".

وينص قانون تعليم قيادة السيارات وكل أصناف الشاحنات والحافلات في تونس على المساواة بين المترشحين لتعلم وتعليم قيادة كل وسائل النقل، الأمر الذي فتح فرصا عديدة أمام النساء لدخول مضمار تعليم قيادة الأصناف الثقيلة من وسائل النقل وغيرها من الميادين الأخرى.

أخبار ذات صلة

تونس.. عودة أيام قرطاج بعد احتجابها لثلاث سنوات
تونس.. ترياق من سم الأفاعي يعالج أمراض العيون

ليست ريم فقط من تحدت ظروفها ومحيطها والأحكام المسبقة على أحلامها ومهنتها حتى أثبتت نجاحها في ميدانها.. بل توجد نماذج أخرى لمهن طالما حسبت منذ فجر التاريخ على الرجال إلا أن النساء اليوم أثبتن أنهم قادرات على اتقان هذه المهن.. بل والتميز فيها.

لحام الحديد

وسط مدينة قرمبالية شرقي العاصمة تونس، تسكن هذه الفتاة الشابة.. تغادر غادة منزل والديها يوميا في الصباح الباكر للتوجه إلى ورشة الحدادة التي تعمل فيها.

ترتدي اللباس الخاص بمهنتها المتمثلة في لحام الحديد والمواد المعدنية الأخرى، لتلتحق بورشة أبيها وتبدأ العمل.

لمس الحديد وتقطيعه ولحامه أمر يبدو عملا رجاليا بامتياز.. بل إن للحداد في الكثير من مجتمعاتنا -ودون تعميم- ملامحُ معينة تكون موغلة في الذكورة بأجساد فارعة وأذرع بارزة بسبب حمل الحديد بشكل متكرر.

إلا أن هذه النظرة تتغير جذريا بمجرد الدخول إلى الورشة ورؤية هذه الفتاة الشابة ذات الملامح الأنثوية وهي بصدد الاشتغال على أنواع عديدة من المعادن أبرزها الحديد.

تقول غادة الذوادي وهي صاحبة ورشد لحام حديد: "بدأت مهمة الحدادة منذ أن كان عمري سبعة عشر عاما كنت صغيرة وكنت عند عودتي من الدراسة أمر عند أبي هنا في ورشته، في الحقيقة كان هو منشغلا بالعمل أما أنا فكنت أراقبه وكان يطلب مني عدم القدوم لأن هذه المهنة رجالية وكان يدفعني للتفكير في عمل آخر، لكنني كنت أحب هذه المهنة منذ صغري".

تضيف غادة الذوادي لـ"سكاي نيوز عربية": "كبرت بعدها وأصبحت أعمل وأساعده في هذا العمل بل أحيانا كان يدعوني لمساعدته، وفرضت نفسي بذلك. ثم قررت دراسة الحدادة وهي حلم حققته وفعلا أحس نفسي اليوم قادرة على العمل بل فرضت نفسي حتى على زملائي الرجال".

حظيت غادة باهتمام والدها وتشجيعه لها لممارسة هذه المهنة رغم تحفظه في البداية.. يرى الوالد في ابنته قدرة وشغفا واتقانا لفن اللحام وتشكيل الحديد بشكل جعله يتقبل أن تكون ابنته حاملة لهذه الصنعة الصعبة.

تشجيع أبيها الذي قضى عقودا في هذه المهنة فتح الباب أمام غادة لتثبت أنها قادرة على الحدادة بل والتفنن فيها..

يقول فتحي الدريدي والد غادة: "أعمل منذ أربعين عاما في هذه المهنة وهي الحدادة، ولدي ابنتي هذه أخذت علي المشعل. وفي الحقيقة هذا عمل صعب وليس سهلا.. فالحدادة أنواع عديدة، ليس اللحام فقط. عموما لقد أثبتت كفاءتها وسترث عني هذا العمل وأتركها تعمل لوحدها".

لا تمثل ريم وغادة في مهنتيهما سوى نماذج لعديد النساء التونسيات اللاتي دخلن مجالات مهنية حسبت على الرجال منذ زمن طويل، على غرار قيادة سيارات التاكسي أو مهن البناء أو النجارة أو غيرها.

وعلى الرغم من التوفر النسبي للمناخ الثقافي والقانوني الذي يمنح المجال للنساء لممارسة هذه المهن، ما يزال سقف طموح النساء التونسيات عاليا في ضرورة توفير التشجيع اللازم من الدولة التونسية.. الدولة التي يقول مؤسسوها بعد الاستقلال إن سرّ نجاحها وازدهارها يكمن أساسا في نسائها.