أجبرت المواجهات المسلحة الدائرة بين الجيش السوداني وقوات الدعم السريع، أماني حسن إحدى أبرز بائعات الشاي في وسط الخرطوم، على البقاء في منزلها تاركة مصدر رزقها الوحيد الذي ظلت تتكسب منه على مدار عقدين وتعول به أبناءها الأربعة، بعد أن توفي والدهم جراء الحرب في ولاية جنوب كردفان قبل سنوات.
ولم يتبق لأماني سوى قليل من المواد الغذائية كانت قد ادخرتها لشهر رمضان، ولا تدري ما تواجهه من مصير عقب نفاد هذه المؤن حيث لا تملك أي أموال في الوقت الراهن، وليست لها ما يمكن أي يساعدها في إطعام أبناءها الذين ما زالوا في مرحلة عمرية صغيرة ومنخرطون في الدراسة.
تعكس أماني واقع آلاف النساء السودانيات اللاتي يعملن في بيع الشاي بالأسواق المختلفة في العاصمة الخرطوم، توقفت أعمالهن بشكل مفاجئ بسبب النزاع العسكري في البلاد، ومع استمرار المواجهات المسلحة بين الجيش والدعم السريع لليوم العاشر على التوالي، فإن مصير قاسي ينتظر هذه الفئة الاجتماعية العريضة.
عدد بائعات الشاي يتجاوز الـ100 ألف
تقول رئيسة اتحاد "بائعات الشاي" في ولاية الخرطوم، عوضية كوكو لموقع "سكاي نيوز عربية" إن العاملات في هذه المهن في الخرطوم يفوق 100 ألف امرأة بحسب حصيلة حديثة أجريت خلال الأشهر القليلة الماضية، وهن ويواجهن مأساة حقيقية هذه الأيام بعد توقفت اعمالهن بسبب الاشتباكات العسكرية".
وتضيف "بائعات الشاي يعتبرن الفئة الأكثر تضرراً من هذه الحرب لأنهن يعتمدن على كسب رزقهن يوم بيوم، فليس لهن أي مدخرات خاصة وأن أغلبنهن كان في فترة توقف قسري عن العمل بسبب شهر رمضان،وكن يتأهبن لاستئناف الشغل بعد انقضاء عطلة العيد، لكن تفجرت الأحداث الدموية والتي حالت دون ذلك".
لعنة الحرب
وتطارد لعنة الحرب هؤلاء النسوة، فعظم العاملات في مهنة بيع الشاي، نزحن إلى الخرطوم من الولايات السودانية التي شهدت نزاع مسلح خلال 4 عقود ماضية بعد أن فقدن سندهن من الرجال جراء المعارك، واضطر بعضهن للفرار مجدداً إلى الأقاليم حيث جئن بحثاً عن الأمن، لكن سيواجهن شظف العيش مجدداً، وفق عوضية.
تقول نفسية، إحدى بائعات الشاي في الخرطوم لموقع "سكاي نيوز عربية": "لم نستطيع تحمل لهيب المواجهات العسكرية، فأطفالنا يصرخون ولا ينامون طوال الليل ففررنا إلى ولاية الجزيرة، ونقيم حالياً مع إحدى العائلات السودانية التي اكرمت مثوانا، ولكن هناك ضيق في الحال كون الجميع يعاني من الاقتصادية وأوضاع المواطنين متشابهة، نريد أن تقف هذه الحرب حتى نعود إلى منازلنا ونستأنف عملنا".
ولا تملك نفيسة أي أموال في الوقت الحالي، فهي تعيش الآن تحت رحمة الغذاء الذي تقدمه لهم العائلات التي أوتهم في ولاية الجزيرة وسط السودان، وتضيف "توقفت عن العمل طوال فترة رمضان، ونفد كل ما عندي، نرغب في العودة إلى العمل بأعجل ما تيسر حتى نواصل رحلة الكسب الحلال".
يعولن الأيتام
وتشير عوضية كوكو إلى أن حوالي 70% من النساء العاملات في مجال بيع الشاي في ولاية الخرطوم يعولن أيتام بعد أن فقدن ازواجهن نتيجة صراع مسلح أو موت عادي، فهذه الشريحة وفق تقديرها - بحاجة الى مساعدات فورية وأن تعطى أولوية في الدعم والعون الإنساني رغم يقينها بأن جميع السودانيين يعيشون ظروف مماثلة في هذه المرحلة الحرجة والدقيقة".
وتقول "فررت بمعية نساء أخريات إلى منطقة حنتوب بولاية الجزيرة ونستقر حاليا في أحد المنازل، نحن 40 امرأة ومعنا 30 طفل، لم يقصر سكان البلدة معنا ولكن نعيش وضع قاسي للغاية فهناك نقص كبير في الغذاء، نحن بحاجة إلى مساعدة عاجلة، فالأطفال لا يحتملون كل هذا العناء".
وإلى جانب الرغبة في الكسب المادي، فإن الحنين إلى أرصفة وشوارع الخرطوم ينتاب العديد من بائعات الشاي اللاتي بدأن يتساءلن عن إمكانية أن العودة إلى العمل مثلما كان في العهد السابق للمواجهات العسكرية.
وتقول أماني حسن لموقع "سكاي نيوز عربية": "اشتقت إلى مكان عملي بوسط الخرطوم وزبائني الذين لا يكتمل كيفهم من الشاي والقهوة إلا بعد الجلوس إلى جانبي وسماع حكاياتي والنكات التي نحكيها لهم مع كل صباح".
وتتخوف أماني من أن تكون نيران الحرب المشتعلة في العاصمة الخرطوم قد عصفت بمكان عملها ولم تترك لها سوى ذكريات جميلة في رحلة كفاحها مع الكسب الحلال، لكن ما تزال تتشبث بالأمل في أن تهدأ الأوضاع وتعود لترمم ما دمره الصراع وتواصل عملها الشريف لإعالة أبناءها.