خاض فريق العمل داخل المتحف المصري بالتحرير، رحلة مثيرة لترميم وتجهيز أكبر بردية بالخط الهيراطيقي عُثر عليها في ‏منطقة سقارة، لعرضها أمام الجمهور بعد 8 أشهر من الجهد المتواصل، وفقا لعضو فريق الترميم ‏بمعامل المتحف المصري، نور بدر.‏

وأعلنت وزارة السياحة والآثار المصرية عن اكتشاف البردية "وزيري 1"، التي يبلغ طولها نحو 16 مترا، في مايو الماضي ‏خلال أعمال البعثة المصرية بمنطقة سقارة.

ووُجدت البردية ملفوفة داخل تابوت شخص يسمى "أحمس" من العصر ‏البطلمي، وبداخلها 113 فصلا من كتاب الموتى.‏

أهرامات الجيزة.. آسرة للقلوب ومصدر للقصص

 

تعقيم البردية

ويقول نور بدر لموقع "سكاي نيوز عربية": "نُقلت البردية سريعا إلى المتحف المصري، وكُلفت بالعمل على ترميمها رفقة ‏زملائي عيد مرتاح ونجاح سعادة، وخلال المعاينة الأولى اكتشفنا وجود إصابات حشرية وبعض الثقوب والتآكلات في ‏الطبقة السطحية، استدعى ذلك تعقيمها داخل كبسولة خالية من الأوكسجين لمدة 21 يوما".‏

أخبار ذات صلة

سر بناء الأهرامات.. دراسة جديدة تجيب عن "السؤال المحير"
المصري القديم أول من رصد التغيرات المناخية.. كيف تعامل معها؟
كيف نبذ المصريون القدماء البلطجة و التحرش؟
بجبانة الحيوانات المقدسة بمصر.. الأرض تبوح بأسرار جديدة

ويضيف المُرمم الثلاثيني: "عدنا من جديد لترميم البردية تحت إشراف رئيس قطاع المتاحف مؤمن ‏عثمان، وانهمكنا في أعمال التوثيق والتصوير قبل فك أجزائها، لنواجه تحديا كبيرا، وهو إزالة ‏اللفائف المحيطة بالبردية الموصودة بالراتنج، وهي مادة صمغية استخدمت قديما في التحنيط".‏

ويتابع: "وضعنا العديد من السيناريوهات للتعامل مع الراتنج، لم يكن هناك بديل ‏عن الدقة في كل لحظة عمل، منعا لتعرض البردية لأي ضرر، فقمنا بالاعتماد على الطريقة الميكانيكية في الترميم، ‏وتنفسنا الصعداء عقب نجاح التجربة والبدء في فتح أجزائها وظهور الشكل الأساسي لها".‏

علت صيحات الدهشة داخل معمل ترميم البرديات بالمتحف المصري في التحرير، وفقا لرواية بدر، مؤكدا أن "الابتسامة ارتسمت على وجوه الجميع، لكونهم أول من يطلع على محتوى البردية منذ آلاف السنين، ‏وتأكدهم من حالتها الجيدة والكتابة المدهشة التي تعبر عن مهارة الكاتب وقيمة صاحبها".‏

عرض بردية نادرة تعود لعصر خوفو

رحلة شاقة

ويسترسل بدر لموقع "سكاي نيوز عربية": "وضعنا البردية داخل غرفة مخصصة للترطيب لنحو 6 ساعات لتصبح ‏لينة بصورة أكبر، ثم انخرطنا في فك أجزائها تباعا بواقع 40 سم في المرة الواحدة، تشمل تقوية الأحبار وعمل تدعيمات ‏بورق ياباني".

وفي هذا الصدد، يشير إلى أنهم "أمضوا أشهر في رحلة شاقة وممتعة، حتى صارت البردية جاهزة للعرض".‏

أخبار ذات صلة

مؤامرات وخبايا.. أسرار المومياوات الملكية التي كُشفت
التحنيط عند الفراعنة.. "سر الأسرار" يحير العالم

ويردف: "سعداء بترميم أول بردية بهذا الحجم بأيادٍ مصرية خالصة دون الاستعانة بعناصر أجنبية. ‏نشعر بالفخر تجاه ثقة المسؤولين في قدراتنا على النجاح، والدعم الدائم من الأمين العام ‏للمجلس الأعلى للآثار مصطفى وزيري، ومنحنا فرصة للعمل على بردية جديدة ستظهر للنور قريبا".‏

ولم تنتهِ رحلة البردية عقب الترميم، إذ كان لابد من ترجمتها من الخط الهيراطيقي، للتعرف على فحواها، كما يقول الأستاذ المساعد بكلية الآثار في جامعة القاهرة، خالد ‏حسن، الذي تولى المهمة في سبتمبر من العام الماضي.

أخبار ذات صلة

آثار لم تمس وبردية استثنائية.. سقارة المصرية تكشف كنزا رائعا
مصر.. دليل "جديد" على طريقة بناء الهرم الأكبر

ويشير حسن لموقع ‏‏"سكاي نيوز عربية"، إلى زيارته للمتحف المصري لتصوير البردية ورفع مقاساتها، قبل الانخراط في عمله.‏

ويضيف: "الخط الهيراطيقي هو تبسيط للخط الهيروغليفي، وترجمة بردية بهذا الحجم ‏يحتاج إلى سنوات، غير أن تشجيع المسؤولين دفعني لإتمام عملي في وقت قياسي".

ويحكي عن التجربة، قائلا: "كنت أعمل في كل مكان، في المنزل ‏ومكتبي وداخل سيارتي، وأحيانا في المستشفى، حيث اضطررت للتواجد بها لعدة أيام".‏

محتوى البردية

وينوه الأستاذ المتخصص في الخط الهيراطيقي، إلى أن "البردية احتوت على فصول من كتاب الموتى، موزعة على 150 ‏عمود مختلف الأحجام والمقاسات، فضلا عن رسوم توضيحية ومنظر يوضح صاحب البردية - أحمس - خلال إتمام ‏طقوس العبادة"، معتبرا أن محتواها "إضافة لعلم المصريات".‏

أخبار ذات صلة

لأول مرة.. عرض برديات عن بناة هرم خوفو
اكتشاف تحصينات عسكرية فرعونية في سيناء

ويشدد حسن على أن عملية ترجمة البردية "كانت معقدة"، مضيفا: "كانت تحتاج لنقلها إلى الخط الهيروغليفي أولا ثم اللغات الأخرى ‏الحالية"، معربا عن "استمتاعه بطريقة الكتابة المُتبعة من قبل قدماء المصريين، والتعاون ‏الواضح بين الرسام والكاتب من أجل خروج البردية بأفضل هيئة".‏

ويختتم مُترجم بردية "وزيري 1" حديثه لموقع "سكاي نيوز عربية"، بالقول: "أعكف حاليا على تجهيز نصوص البردية ‏لنشرها في كتاب باللغة الإنجليزية، بالتعاون مع وزارة السياحة والآثار المصرية، لتصبح وثيقة مهمة في يد القراء من ‏كافة دول العالم. أعتقد أنها ستكون تجربة شيقة لمن يقرأ هذا العمل".‏