بشكل رسمي سيصبح مسرح "سيرفانتيس" الإسباني التاريخي الموجود في مدينة طنجة شمالي المغرب، في الفاتح من مارس المقبل، مِلكا لا رجعة فيه للمملكة المغربية.

ويعد "مسرح سيرفانتيس الكبير"، من أقدم المسارح التي بُنيت في منطقة شمال أفريقيا، واكتمل تشييده عام 1913 في زمن الحماية الدولية في طنجة، إذ كان له إشعاع ثقافي وفني في شمال أفريقيا وإسبانيا معا، ثم تحول بعد ذلك إلى واحد من روائع الفن العالمي، بالنظر إلى خصائصه المعمارية والفنية.

وبناء على اتفاقية بين المملكتين الإسبانية والمغربية في 2019 تنص على تغيير الولاية القضائية لملكية البناية الثقافية التراثية، التزمت الحكومة المغربية بصيانة المساحة الكاملة للمسرح التاريخي بقلب مدينة طنجة.

ونص الاتفاق أيضا، على أن تكون الحكومة المغربية مسؤولة عن ترميم المبنى بالكامل في مدة أقصاها 3 سنوات، مع احترام العمارة الأصلية التي يوجد عليها المبنى، إلى جانب تحمّل جميع تكاليف الترميم والتجديد والإدارة والصيانة، والحفاظ على اسم المكان، وتعزيز الثقافتين المغربية والإسبانية.

أشغال بناء وترميم معقدة

قبل 8 أشهر من الآن، أطلقت وكالة إنعاش وتنمية الشمال (حكومية) الحصة الأولى لطلب عروض مفتوح لأشغال ترميم وإعادة تأهيل "سيرفانتيس" بالمدينة العتيقة لطنجة، وتهم بالأساس الأشغال الكبرى ومنع التسرب والأسقف والهيكل البنيوي والتلبيس والنّجارة والتهيئة الخارجية.

وأكد مسؤول سابق بوزارة الثقافة، مُطّلع على المشروع، أن "الدراسات الهندسية والتقنية والطوبوغرافية بدأت في السنوات الماضية، من أجل وضع تشخيص دقيق وكامل لكل ما يهدد هذه المعلمة وإنقاذها من مظاهر التدهور التي أصابتها نتيجة بقائها لعشرات السنين مهملة ومقفلة أيضا".

أخبار ذات صلة

المغرب.. عشرون عاما على اعتماد "تيفيناغ" لكتابة الأمازيغية
المغرب.. دعوات لحماية العاملات في حقول إسبانيا

وقال المسؤول السابق، الذي رفض الكشف عن هويته، في تصريحه لموقع "سكاي نيوز عربية": "ستكون هناك أشغال معقدة جدا، باعتبار الترميمات ستشمل، إضافة إلى البناء، الزخرفة الغنية والمتنوعة، والتي ستحتاج بكل تأكيد إلى مواد وخبرات ذات بعد عالمي من أجل ترميمها وفق الخصوصية ووفق الأصالة التي كانت لديها في البداية".

وأوضح المصدر ذاته، أن "مسرح سيرفانتيس يتميز بعدة خصائص معمارية وفنية، إذ أنه بالإضافة إلى شكله الداخلي الذي يتماشى مع المسارح التقليدية الكبرى لأوروبا ذات الطابع الإيطالي، والذي يتميز بعدة زخارف جصية سواء في الأسقف والقبة التي تعلو المنصة وفي مختلف مرافق المسرح".

حضور إسباني في طنجة

على رُبوة غير بعيدة عن المدينة في طنجة، شُرع في بناء "مسرح سيرفانتيس الكبير" في أبريل 1911، من طرف رجل الأعمال الإسباني "مانويل بينيا"، فيما تكلف بإنجازه المهندس الإسباني الشهير "دييغو خيمينيث"، وفتح أبوابه انطلاقا من عام 1913، ولعب أدوارا كبرى في مجال تنمية وتنشيط الحقل الثقافي والمجال الفني بطنجة.

وأفاد الكاتب المسرحي والفاعل الثقافي الطنجي، الزبير بن بوشتى، أنه "في الوقت الذي كانت فيه طنجة مدينة دولية، كان ثلثي سكانها من الإسبان، وبالرغم من أنهم أغلبية ساكنة المدينة، إلا أنه لم يكن لديهم حينها حضور ثقافي مقارنة مع الحضور الإنجليزي والفرنسية والأميركي، فقرّر سينيور بينيا وزوجته أوريانا بناء مسرح في المكان الذي يوجد فيه حاليا، لكي يكون للإسبان حضورا".

لهذا، كان لهذا المسرح إشعاع ثقافي وفني في شمال إفريقيا وإسبانيا معا، إذ لم يكن هناك عرض شهير في أوروبا إلا وقُدّم في "سيرفانتيس الكبير" في قلب طنجة، إذ عُرضت فوق خشبته أعمال "عطيل" و"روميو وجولييت"، ثم مسرحية "صلاح الدين الأيوبي"، ومسرحية "المنصور الذهبي"، إضافة إلى مسرحية "مجنون ليلى" لمؤلفها أمير الشعراء أحمد شوقي.

قمة مغربية إسبانية تدشن مرحلة جديدة من العلاقات

نداءات لإحياء سيرفانتيس

وبالنظر إلى القيمة الرمزية والتراثية لـ"مسرح سيرفانتيس" في طنجة، فقد أطلق عدد من الفاعلين الثقافيين في المغرب وفي الضفة الشمالية أيضا، عدة نداءات لإعادة الألق لهذه المعلمة التاريخية وإحيائها، وإنقاذها من "حالة الخراب" التي أصابتها لسنوات.

ولفت رئيس مرصد حماية البيئة والآثار بطنجة، عبد العزيز جناتي، أن "بعث الحياة في هذا المعلم مرتبط جدلا بتيسير الولوج إليها، واتخاذ قرارات حاسمة بخصوص البناءات العشوائية المحيطة بالمسرح، وكذا تخويلها وظائف حيوية تضمن الإقبال عليها، وهي كلها أمور متيسّرة متى توفرت الإرادة والعزيمة اللاّزمة".

وقال جناتي، في اتصاله بـ"موقع سكاي نيوز عربية": "المسرح لبنة هامة في تعزيز العرض الثقافي، وقبلة لأداء وظائف أخرى مرتبطة بالتنشيط والاستقبال واللقاءات والمؤتمرات على غرار ما هو معمول به في دول أخرى"، مشددا على "جعل مسرح سيرفانتيس رافدا من روافد الثقافة بمفهومها الواسع، إلى جانب وضائف متكاملة في حياة المدينة و دورة إنتاجها".

وخلص نفس المصدر، إلى أنه "بالنظر لقيمة هاته المعلمة ورمزيتها سواء الجمالية أو التاريخية، أو ما يمكن أن تلعبه من أدوار، فإنها كانت دائما محط مطالب للحركة الثقافية، ونشطاء المدينة المهتمين بكنوزها الثقافية والمعمارية".